فِي عَالَمِهِمْ كَمَا يَقْصِدُ أَهْلُ كُلِّ لُغَةٍ فِي أَوْضَاعِ لُغَتِهِمْ، فَالْعَرَبُ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُ الْخُلُودَ فِي الْإِقَامَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَيُسَمُّونَ الْأَثَافِيَّ (حِجَارَةَ الْمَوْقِدِ) الْخَوَالِدَ، وَلَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ اسْتِحَالَةَ الِانْتِقَالِ وَالنَّقْلِ كَمَا بَيَّنَاهُ مِنْ قَبْلُ. وَيُعَبِّرُونَ بِالْأَبَدِ عَمَّا يَبْقَى مُدَّةً طَوِيلَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ، وَنَاهِيكَ بِتَدْقِيقِهِ فِي تَحْدِيدِ مَعَانِي الْأَلْفَاظِ، وَفِي حَقِيقَةِ الْأَسَاسِ. وَتَقُولُ : رَزَقَكَ اللهُ عُمْرًا طَوِيلَ الْآبَادِ بَعِيدَ الْآمَادِ. فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَنْتَهِي ؟ ! وَيَقُولُ أَهْلُ الْقَضَاءِ وَغَيْرُهُمْ فِي زَمَانِنَا حُكِمَ عَلَى فُلَانٍ بِالسَّجْنِ الْمُؤَبَّدِ أَوِ الْأَشْغَالِ الشَّاقَّةِ الْمُؤَبَّدَةِ - وَهُوَ لَا يُنَافِي عِنْدَهُمُ انْتِهَاءَهَا بِعَفْوِ السُّلْطَانِ مَثَلًا.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَدْ يَنْفَعُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْمَارِقِينَ وَلَا يَضُرُّ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ مُسْتَدِلِّينَ أَوْ مُقَلِّدِينَ، وَسَنَعُودُ إِلَى الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِ آيَتَيْ سُورَةِ هُودٍ، وَنُلَخِّصُ جَمِيعَ التَّأْوِيلَاتِ مَعَ بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهَا وَالْمَرْجُوحِ وَدَلَائِلِ الْجُمْهُورِ.
(وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)


الصفحة التالية
Icon