فكأن المنذرين من الجن يأخذون من الرسل من الأنس وبعد ذلك يتوجهون إلى الجن. ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي.. ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ]
والآيات تطلق على المعجزات التي تثبت صدق الرسل، وما يكون من شرح الأدلة الكونية الدالة على صدق الرسل. وكلمة ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ﴾ أي يروون لهم الموكب الرسالي من أول " آدم " إلى أن انتهى إلى " محمد " ﷺ. و﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ﴾ قول يدل على دقة الأداء التاريخي ؛ لأن " قص " مأخوذ من قص الأثر، ومعناها تتبع القدم بدون انحراف عن كذا وكذا، وهكذا نجد أن المفروض في القصة أن تكون مستلهمة واقع التاريخ. ﴿ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا.. ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ]
وهو اليوم المخزي حيث سيقفون أمام الله ويذكرهم الحق أنه قد نبههم وقد أعذر من أنذر. ﴿... قَالُواْ شَهِدْنَا على أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾ [ الأنعام : ١٣٠ ]
وقولهم :﴿ شَهِدْنَا على أَنْفُسِنَا ﴾ إقرار منهم على أنفسهم ؛ فقد شهدوا على أنفسهم، ولكن ما الذي منعهم أن ينضموا إلى الإيمان بمواكب النبوة؟. تأتي الإجابة من الحق :﴿ وَغَرَّتْهُمُ الحياة الدنيا ﴾.
والذي يغرّ هو الشيء الذي يكون له تأثير، وهو موصوف بأنه " دنيا "!! لذلك فالغرور الذي يأتي بالدنيا هو قلة تبصّر.
﴿ وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ﴾. ومن يستقرئ آيات القرآن يجد آية تقول :﴿ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [ الأنعام : ٢٣ ]