أو قوله :﴿ عند الله ﴾ مستأنف أي معدّ لهم ذلك، واعلم أن كمال العقاب لا بد فيه من أمرين : الضرر، والإهانة. ثم إن القوم لما تردوا عن طاعة محمد صلى الله عليه وآله طلباً للعز والكرامة فالله تعالى بيّن أنه يقابلهم بضد مقصودهم، فأول ما يوصل إليهم الذل والهوان وبعده عذاب شديد جميع ذلك بسبب مكرهم ونكرهم ﴿ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ﴾ يقال : شرح فلان أمره، إذا أظهره وأوضحه ومنه شرح المسأله إذا بينها. وقال الليث : شرح الله صدره فانشرح أي وسعه لقبول ذلك الأثر. ولا شك أن توسيع الصدر غير ممكن على سبيل الحقيقة ولكن ههنا معنى وهو أنه إذا اعتقد الإنسان في عمل من الأعمال أن نفعه زائد وخيره راجح مال طبعه إلي وقوي طلبه ورغبته في حصوله وظهر في القلب استعداد شديد لتحصيله فسميت هذه الحالة سعة الصدر، وإن حصل في القلب علم أو اعتقاد أو ظن يكون ذلك العمل مشتملاً على ضرر زائد ومفسدة راجحة دعاه ذلك إلى تركه وحصل في النفس نبوّة عن قبوله فيقال لهذه الحال ضيق الصدر، لأن المكان إذا كان ضيقاً لم يتمكن الداخل من الدخول فيه، وإذا كان واسعاً قدر على الدخول فيه. وأكثر استعمال شرح الصدر في جانب الحق والإسلام وقد ورد في الكفر أيضاً قال تعالى :﴿ ولكن من شرح بالكفر صدراً ﴾ [ النحل : ١٠٦ ] قال المفسرون :" لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله ﷺ فقيل له : كيف يشرح الله صدره؟ فقال صلى الله عليه وآله : يقذف الله تعالى فيه نوراً حتى ينفسخ وينشرح، فقيل له : وهل لذلك من أمارة يعرف بها؟ فقال ﷺ :" الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله " " وهذا البيان مناسب لما ذكرنا فإن الإنابة إلى دار الخلود لا بد أن تترتب على اعتقاد أن عمل الآخرة زائد النفع والخير، والتجافي عن دار الغرور إنما ينبعث عن اعتقاد كون عمل الدنيا زائد الضر والضير،


الصفحة التالية
Icon