والدّرجات هي ما يرتقى عليه من أسفل إلى أعلى، في سُلم أو بناء، وإن قصد بها النّزول إلى محلّ منخفض من جبّ أو نحوه فهي دركات، ولذلك قال تعالى :﴿ يرفع اللَّهُ الذين آمنوا منكم والذينَ أوتوا العلم درجات ﴾ [ المجادلة : ١١ ] وقال :﴿ إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النّار ﴾ [ النساء : ١٤٥ ] ولمّا كان لفظ ( كلّ ) مراداً به جميع أهل القرية، وأتى بلفظ ﴿ الدّرجات ﴾ كان إيماء إلى تغليب حال المؤمنين لِتَطمئنّ نفوسُ المسلمين من أهل مكّة بأنّهم لا بأس عليهم من عذاب مشركيها، ففيه إيماء إلى أنّ الله منجيهم من العذاب : في الدّنيا بالهجرة، وفي الآخرة بحشرهم على أعمالهم ونياتهم لأنَّهم لم يقصروا في الإنكار على المشركين، ففي هذه الآية إيذان بأنَّهم سيخرجون من القرية الّتي حقّ على أهلها العذاب، فإنّ الله أصاب أهل مكّة بالجوع والخوف ثمّ بالغزو بعد أن أنجى رسوله ﷺ والمؤمنين.
وقدْ عُلم من الدّرجات أنّ أسافلها دركات فغلب درجات لنكتة الإشعار ببشارة المؤمنين بعد نِذارة المشركين.
و﴿ مِن ﴾ في قوله ﴿ مما عملوا ﴾ تعليلية، أي من أعمالهم أي بسبب تفاوت أعمالهم.
وقوله :﴿ وما ربك بغافل عما يعملون ﴾ خطاب للرّسول صلى الله عليه وسلم
وقرأ الجمهور :﴿ يعلمون ﴾ بياء الغيبة فيعود الضّمير إلى أهل القرى، والمقصود مشركو مكّة، فهو للتّسليّة والتّطمين لئلا يستبطىء وعد الله بالنَّصر، وهو تعريض بالوعيد للمشركين من باب : واسمعي يا جارة.
وقرأه ابن عامر بتاء الخطاب، فالخطاب للرّسول ﷺ ومن معه من المسلمين، فهو وعد بالجزاء على صالح أعمالهم، ترشيحاً للتّعبير بالدّرجات حسبما قدّمناه، ليكون سَلاً لهم من وعيد أهل القرى أصحاب الظّلم، وكلتا القراءتين مراد الله تعالى فيما أحسب. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾