مَدْلُولُهُ وَتَأْوِيلُهُ وَغَايَتُهُ، وَالْبَشَرُ لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ. وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا وَفِي سُورَةِ هُودٍ بِالتَّأَوُّلِ لِلْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْجَزَاءِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهَا لِلْجَزْمِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَالتَّعَارُضَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى مُحَالٌ. وَكَذَا يُتَأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ لِمَا أَنْزَلَهُ تَعَالَى، وَمِنْهَا أَحَادِيثُ سَبْقِ الرَّحْمَةِ وَغَلَبِهَا عَلَى الْغَضَبِ وَسَعَتِهَا لِكُلِّ شَيْءٍ وَعُمُومِهَا.
أَمَّا مَا وَرَدَ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ هُنَا فَيُؤَيِّدُ مَا جَرَيْنَا عَلَيْهِ مِنْ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ فِيهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَى مَشِيئَتِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْغَيْبِيِّ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ آيَةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللهِ فِي خَلْقِهِ، لَا يُنْزِلُهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا. وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي سُورَةِ هُودٍ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَأْوِيلِهِ عِدَّةَ رِوَايَاتٍ مِنْهَا قَوْلُ قَتَادَةُ : اللهُ أَعْلَمُ بِثُنْيَاهُ، وَلِأَهْلِ التَّفْسِيرِ بِاللُّغَةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ فِيهَا عِدَّةُ آرَاءٍ.


الصفحة التالية
Icon