أَمْرِنَا فِي مُدَّةِ آجَالِنَا اسْتِمْتَاعَ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ، فَتَأَمَّلْ مَا فِي هَذَا مِنَ الِاعْتِرَافِ بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ بَدَتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي مُدَّةِ آجَالِهِمْ هُوَ حَظُّهُمْ مِنِ اسْتِمْتَاعِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَلَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ وَمَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ. وَهَذَا مِنْ نَمَطِ
قَوْلِهِمْ :(لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (٦٧ : ١٠) وَقَوْلِهِ :(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) (٦٧ : ١١) وَقَوْلِهِ :(فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) (٢٨ : ٧٥) وَنَظَائِرِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ قَوْلَهُ :(إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) عَائِدٌ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مُخْتَصًّا بِهِمْ أَوْ شَامِلًا لَهُمْ وَلِعُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ، وَأَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِعُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ دُونَ هَؤُلَاءِ فَلَا وَجْهَ لَهُ.
وَلَمَّا رَأَتْ طَائِفَةٌ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ قَالُوا : الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إِلَى مُدَّةِ الْبَرْزَخِ وَالْمَوْقِفِ وَقَدْ تَبَيَّنَ ضَعْفُ هَذَا الْقَوْلِ.