الْجَنَّةَ وَالنَّارَ مَخْلُوقَتَانِ، وَأَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا وَلَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا. وَمَنْ ذَكَرَ
مِنْهُمْ أَنَّ النَّارَ لَا تَفْنَى أَبَدًا فَإِنَّمَا قَالَهُ لِظَنِّهِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ بِفَنَائِهَا وَلَمْ يَبْلُغْهُ تِلْكَ الْآثَارُ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا.
(قَالُوا) : وَأَمَّا حُكْمُ الْعَقْلِ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ النَّارِ فِيهَا فَإِخْبَارٌ عَنِ الْعَقْلِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِخَبَرِ الصَّادِقِ، وَأَمَّا أَصْلُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ فَهَلْ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ مَعَ السَّمْعِ أَوْ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالسَّمْعِ وَحْدَهُ ؟ فَفِيهِ قَوْلَانِ لِنُظَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى الْمَعَادِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ إِجْمَالًا، وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ فَلَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالسَّمْعِ، وَدَوَامُ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مِمَّا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِهِ وَإِنَّمَا عُلِمَ بِالسَّمْعِ، وَقَدْ دَلَّ السَّمْعُ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى دَوَامِ ثَوَابِ الْمُطِيعِينَ، وَأَمَّا عِقَابُ الْعُصَاةِ فَقَدْ دَلَّ السَّمْعُ أَيْضًا دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى انْقِطَاعِهِ فِي حَقِّ الْمُوَحِّدِينَ. وَأَمَّا دَوَامُهُ وَانْقِطَاعُهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَهَذَا مُعْتَرَكُ النِّزَالِ، فَمَنْ كَانَ السَّمْعُ فِي جَانِبِهِ فَهُوَ أَسْعَدُ بِالصَّوَابِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ)


الصفحة التالية
Icon