يَعْلَقُ بِهَا وَلَا يُفَارِقُهَا، بَلْ كُلَّمَا أَلَمَّ بِهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ أَغَارُوا عَلَيْهِ بِالشِّرْعَةِ وَالْفِطْرَةِ فَأَزَالُوا مُوجِبَهُ وَأَثَرَهُ، وَكَمَّلَ لَهُمُ الرَّبُّ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَقْضِيَةٍ يَقْضِيهَا لَهُمْ مِمَّا يُحِبُّونَ أَوْ يَكْرَهُونَ تُمَحِّصُ عَنْهُمْ تِلْكَ الْآثَارَ الَّتِي شَوَّشَتِ الْفِطْرَةَ، فَجَاءَ مُقْتَضَى الرَّحْمَةِ فَصَادَفَ مَكَانًا قَابِلًا مُسْتَعِدًّا لَهَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُدَافِعُهُ فَقَالَ هَاهُنَا أُمِرْتُ.
وَلَيْسَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ غَرَضٌ فِي تَعْذِيبِ عِبَادِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى :(مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا) (٤ : ١٤٧)
وَاسْتَمَرَّ الْأَشْقِيَاءُ مَعَ تَغْيِيرِ الْفِطْرَةِ وَنَقْلِهَا مِمَّا خُلِقَتْ عَلَيْهِ إِلَى ضِدِّهِ حَتَّى اسْتَحْكَمَ الْفَسَادُ وَتَمَّ التَّغْيِيرُ، فَاحْتَاجُوا فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ إِلَى تَغْيِيرٍ آخَرَ وَتَطْهِيرٍ يَنْقُلُهُمْ إِلَى الصِّحَّةِ حَيْثُ لَمْ تَنْقُلْهُمْ آيَاتُ اللهِ الْمَتْلُوَّةُ وَالْمَخْلُوقَةُ وَأَقْدَارُهُ الْمَحْبُوبَةُ وَالْمَكْرُوهَةُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، فَأَتَاحَ لَهُمْ آيَاتٍ وَأَقْضِيَةً وَعُقُوبَاتٍ فَوْقَ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا تَسْتَخْرِجُ ذَلِكَ الْخُبْثَ وَالنَّجَاسَةَ الَّتِي لَا تَزُولُ بِغَيْرِ النَّارِ، فَإِذَا زَالَ مُوجِبُ الْعَذَابِ وَسَبَبُهُ زَالَ الْعَذَابُ وَبَقِيَ مُقْتَضَى الرَّحْمَةِ لَا مَعَارِضَ لَهُ.