قِيلَ : لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ هَذَا لَمِنْ أَقْوَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَإِنَّ الْأَمْرَ لَكَمَا قُلْتُمْ، وَإِنَّ الْعَذَابَ يَدُومُ بِدَوَامِ مُوجِبِهِ وَسَبَبِهِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ فِي عَمًى وَضَلَالٍ كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَبَوَاطِنُهُمْ خَبِيثَةٌ كَمَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابُ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِمْ دَائِمٌ مَا دَامُوا كَذَلِكَ.
وَلَكِنْ هَلْ هَذَا الْكُفْرُ وَالتَّكْذِيبُ وَالْخُبْثُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَهُمْ زَوَالُهُ مُسْتَحِيلٌ أَمْ هُوَ أَمْرٌ عَارِضٌ طَارِئٌ عَلَى الْفِطْرَةِ قَابِلٌ لِلزَّوَالِ ؟ هَذَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحَالَةِ زَوَالِهِ وَأَنَّهُ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ. وَقَدْ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الْحَنِفِيَّةِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَالَتْهُمْ عَنْهَا، فَلَمْ يَفْطِرْهُمْ سُبْحَانَهُ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ كَمَا فَطَرَ الْحَيَوَانَ الْبَهِيمَ عَلَى طَبِيعَتِهِ، وَإِنَّمَا فَطَرَهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِخَالِقِهِمْ وَمَحَبَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْحَقُّ الَّذِي فُطِرُوا عَلَيْهِ وَخُلِقُوا عَلَيْهِ قَدْ أَمْكَنَ زَوَالُهُ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ الْبَاطِلِ، فَإِمْكَانُ زَوَالِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ الْبَاطِلِ بِضِدِّهِ