فَإِنْ قِيلَ : هَذَا اعْتِبَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الطَّبِيبَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالْعَلِيلِ وَهُوَ يُحِبُّهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنْهُ، وَلَمْ يَنْشَأْ فِعْلُهُ بِهِ عَنْ غَضَبِهِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يُسَمَّى عُقُوبَةً، وَأَمَّا عَذَابُ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَصَلَ بِغَضَبِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ. (قِيلَ) : هَذَا حَقٌّ وَلَكِنْ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ رَحْمَةً بِهِمْ وَإِنْ كَانَ عُقُوبَةً لَهُمْ، وَهَذَا كَإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ عُقُوبَةٌ وَرَحْمَةٌ وَتَخْفِيفٌ وَطُهْرَةٌ فَالْحُدُودُ طُهْرَةٌ لِأَهْلِهَا وَعُقُوبَةٌ، وَهُمْ لَمَّا أَغْضَبُوا الرَّبَّ تَعَالَى وَقَابَلُوهُ بِمَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُقَابَلَ بِهِ وَعَامَلُوهُ أَقْبَحَ الْمُعَامَلَةِ، وَكَذَّبُوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَجَعَلُوا أَقَلَّ أَهْلِهِ وَأَخْبَثَهُمْ وَأَمْقَتَهُمْ لَهُ نِدًّا لَهُ وَآلِهَةً مَعَهُ، وَآثَرُوا رِضَاءَهُمْ عَلَى رِضَاهُ وَطَاعَتَهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ - وَهُوَ وَلِيُّ الْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَرَازِقُهُمْ وَمَوْلَاهُمُ الْحَقُّ - اشْتَدَّ مَقْتُهُ لَهُمْ وَغَضَبُهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ يُوجِبُ كَمَالَ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَقْدِيرُ خِلَافِهَا وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَخَلُّفُ آثَارِهَا وَمُقْتَضَاهَا عَنْهَا، بَلْ ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِأَحْكَامِهَا، كَمَا أَنَّ نَفْيَهَا عَنْهُ تَعْطِيلٌ لِحَقَائِقِهَا، وَكِلَا التَّعْطِيلَيْنِ مُحَالٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ. فَالْمُعَطِّلُونَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا عَطَّلَ صِفَاتِهِ، وَالثَّانِي عَطَّلَ أَحْكَامَهُ


الصفحة التالية
Icon