وَأَزْوَاجِهِمْ فِي الْعَذَابِ السَّرْمَدِ. فَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ مُوجَبُ الرَّحْمَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ قُلْتُمْ مَا لَا يُعْقَلُ، وَإِنْ قُلْتُمْ إِنَّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَحْضِ الْمَشِيئَةِ وَلَا تُطْلَبُ لَهُ حِكْمَةٌ وَلَا غَايَةٌ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ :(أَحَدُهُمَا) أَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْلَمِ الْعَالَمِينَ أَنْ تَكُونَ أَفْعَالُهُ مُعَطَّلَةً عَنِ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ وَالْغَايَاتِ الْمَحْمُودَةِ. وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَأَدِلَّةُ الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ وَالْآيَاتِ الْمَشْهُودَةِ شَاهِدَةٌ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ. (وَالثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ إِبْقَاؤُهُمْ فِي الْعَذَابِ وَانْقِطَاعُهُ عَنْهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَشِيئَتِهِ سَوَاءً، وَلَمْ يَكُنْ فِي انْقِضَائِهِ مَا يُنَافِي كَمَالَهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَبَدِيَّةِ الْعَذَابِ وَأَنَّهُ
لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَائِزَاتِ الْمُمْكِنَاتِ الْمَوْقُوفِ حُكْمُهَا عَلَى خَبَرِ الصَّادِقِ، فَإِنْ سَلَكْتَ طَرِيقَ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ لَمْ يَقْتَضِ الدَّوَامَ، وَإِنْ سَلَكْتَ طَرِيقَ الْمَشِيئَةِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تُعَلَّلُ لَمْ تَقْتَضِهِ أَيْضًا، وَإِنْ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى مُجَرَّدِ السَّمْعِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ.
الْوَجْهُ السَّادِسَ عَشَرَ - أَنَّ رَحْمَتَهُ سُبْحَانَهُ سَبَقَتْ غَضَبَهُ فِي الْمُعَذَّبِينَ، فَإِنَّهُ أَنْشَأَهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَرَبَّاهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَرَزَقَهُمْ وَعَافَاهُمْ بِرَحْمَتِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ بِرَحْمَتِهِ.