فِي حِكْمَتِهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهَا فِي الْعَذَابِ بَعْدَ ذَلِكَ ; إِذْ قَدْ تَبَدَّلَ شَرُّهَا بِخَيْرِهَا وَشِرْكُهَا بِتَوْحِيدِهَا وَكِبْرُهَا بِخُضُوعِهَا وَذُلِّهَا، وَلَا يُنْتَقَضُ هَذَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) (٢٨) فَإِنَّ هَذَا قَبْلَ مُبَاشَرَةِ الْعَذَابِ الَّذِي يُزِيلُ تِلْكَ الْخَبَائِثَ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ :(وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فَهَذَا إِنَّمَا قَالُوهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ الْعَذَابُ مِنْهُمْ تِلْكَ الْخَبَائِثَ. فَأَمَّا إِذَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ أَحْقَابًا - وَالْحُقْبُ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :(الْحُقْبُ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ) - فَإِنَّهُ مِنَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْكِبْرُ وَالشِّرْكُ وَالْخُبْثُ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَدِ الْمُتَطَاوِلَةِ فِي الْعَذَابِ.