وقد ذكر المبرّد في "الكامل"، عن أبي عبيدة : أنّ تميماً مَنَعت النّعمانَ بن المُنذر الإتاوة فوجّه إليهم أخاه الريان بن المنذر فاستاق النّعم وسبَى الذّراري، فوفدت إليه بنو تميم فأنابوا وسألوه النّساء فقال النّعمان : كلّ امرأة اختارت أباها رُدّت إليه وإن اختارت صاحبها ( أي الّذي صارت إليه بالسبي ) تُركت عليه فكُلّهنّ اختارت أباها إلاّ ابنة لقيس بن عاصم اختارت صاحبَها عمرو بن المشمرِج، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلاّ قتلها فهذا شيء يَعتلّ به مَنْ وأدوا، يقولون : فعلناه أنفة، وقد أكذب الله ذلك في القرآن، أي بقوله :﴿ قد خَسِر الذين قتلوا أولادهم سَفَهاً ﴾ [ الأنعام : ١٤٠ ].
وذكر البخاري، أنّ أسماء بنت أبي بكر، قالت : كان زيدُ بن عَمرو بن نُفَيل يُحيي الموءودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته : لا تقتُلْها أنا أكفيكَ مؤونتها، فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئتَ دفعتُها إليك وإن شئتَ كفيتك مؤونتها.
والمعروف أنَّهم كانوا يئدون البنت وقت ولادتها قبل أن تراها أُمّها، قال الله تعالى :﴿ وإذَا بشِّر أحدهم بالأنْثى ظَلّ وجهه مُسْوَدّا وهو كظيم يتوارى من القوم من سُوء ما بشِّر به أيُمْسِكه على هُون أم يدسّه في التّراب ألاَ ساء ما يحكمون ﴾ [ النحل : ٥٨، ٥٩ ].
وكان صعصعة بن معاوية من مجاشع، وهو جدّ الفرزدق، يفدي الموءودة، يفعل مثل فعل زيد بن عمرو بن نفيل.
وقد افتخر الفرزدق بذلك في شعره في قوله :
ومنّا الّذي منع الوائداتْ
وأحيا الوئيد فلم تُوءَد...
وقد أدرك جدّه الإسلام فأسلم.
ولا يعرف في تاريخ العرب في الجاهليّة قتل أولادهم غير هذا الوأد إلاّ ما ورد من نذر عبد المطّلب الّذي سنذكره، ولا ندري هل كان مثل ذلك يقع في الجاهليّة قبل عبد المطّلب أو أنّه هو الذي ابتكر ذلك ولم يتابَع عليه.