قال القاضي : وهو الوجه الأقرب لأن القوم يعلمون بالعادة أنه تعالى قادر على إنشاء أمثال هذا الخلق فمتى كمل خلق ثالث ورابع أقوى في دلالة القدرة فكأنه تعالى نبه على أن قدرته ليست مقصورة على جنس دون جنس من الخلق الذين يصلحون لرحمته العظيمة التي هي الثواب فبين بهذا الطريق أنه تعالى لرحمته لهؤلاء الأقوام الحاضرين أبقاهم وأمهلهم ولو شاء لأماتهم وأفناهم وأبدل منهم سواهم ثم بيَّن الله تعالى قوة قدرته على ذلك فقال :﴿ كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ﴾ لأن المرء إذا تفكر علم أنه تعالى خلق الإنسان من نطفة ليس فيها من صورته قليل ولا كثير فوجب أن يكون ذلك بمحض القدرة والحكمة وإذا كان كذلك فكما قدر على تصوير هذه الأجسام بهذه الخاصة فكذلك يقدر على تصويرهم خلقاً آخر مخالفاً لها هذا آخر كلامه.
وقال الطبري في قوله ﴿ كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ﴾ يقول كما أحدثكم وابتدعكم من بعد خلق آخرين كانوا قبلكم ومعنى من في هذا الموضع التعقيب كما يقال في الكلام أعطيتك من دينارك ثوباً يعني مكان الدينار ثوباً لا أن الثوب من الدينار بعض.
كذلك الذين خوطبوا بقوله ﴿ كما أنشأكم ﴾ لم يرد بإخبارهم هذا الخبر أنهم أنشئوا من أصلاب قوم آخرين ولكن معنى ذلك ما ذكرنا أنهم أنشئوا مكان قوم آخرين قد أهلكوا قبلهم. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ﴾
هذا فيه إظهار القدرة التامة والغنى المطلق والخطاب عام للخلق كلهم، كما قال :﴿ إن يشأ يذهبكم ﴾ أيها الناس ويأت بآخرين فالمعنى إن يشأ إفناء هذا العالم واستخلاف ما يشاء من الخلق غيرهم فعل، والإذهاب هنا الإهلاك إهلاك الاستئصال لا الإماتة ناساً بعد ناس لأن ذلك واقع فلا يعلق الواقع على ﴿ إن يشأ ﴾.
وقيل : الخطاب لأهل مكة.
وقال عطاء : يعني الأنصار والتابعين.