ومن فوائد أبى السعود فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ وَرَبُّكَ الغنى ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ أي هو المعروفُ بالغني عن كل ما سواه كائناً مَنْ كان وما كان، فيدخُل فيه غناه عن العباد وعن عبادتهم، وفي التعرُّض لوصف الربوبيةِ في الموضعين لا سيما في الثاني لكونه موقعَ الإضمار مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام من إظهار اللطفِ به عليه السلام وتنزيهِ ساحتِه عن توهم شمولِ الوعيدِ الآتي لها أيضاً ما لا يخفى، وقوله تعالى :﴿ ذُو الرحمة ﴾ خبرٌ آخرُ أو هو الخبرُ، والغنيُّ صفةٌ أي يترحم عليهم بالتكليف تكميلاً لهم ويُمهلهم على المعاصي، وفيه تنبيهٌ على أن ما سلف ذكرُه من الإرسال ليس لنفعه بل لترحمه على العباد وتمهيدٌ لقوله تعالى :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ﴾ أي ما به حاجةٌ إليكم إن يشأ يذهبْكم أيها العصاةُ، وفي تلوين الخطابِ من تشديد الوعيد ما لا يخفى ﴿ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم ﴾ أي من بعد إذهابِكم ﴿ مَا يَشَاء ﴾ من الخلق، وإيثارُ ما على مَنْ لإظهار كمالِ الكبرياءِ وإسقاطِهم عن رتبة العقلاءِ ﴿ كَمَا أَنشَأَكُمْ مّن ذُرّيَّةِ قَوْمٍ ءاخَرِينَ ﴾ أي من نسل قومٍ آخرين لم يكونوا على مثل صفتِكم وهم أهلُ سفينةِ نوحٍ عليه الصلاة والسلام لكنه أبقاكم ترحماً عليكم، و( ما ) في كما مصدريةٌ ومحلُّ الكافِ النصبُ على أنه مصدرٌ تشعيبي على غير المصدرِ فإن يستخلف في معنى ينشىء كأنه قيل : وينشىء إنشاءً كائناً كإنشائكم الخ أو نعتٌ لمصدر الفعل المذكور أي يستخلف استخلافاً كائناً كإنشائكم الخ والشرطيةُ استئنافٌ مقررٌ لمضمون ما قبلها من الغنى والرحمة. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾