﴿ افتراء عَلَيْهِ ﴾ أي على الله سبحانه وتعالى، ونصب ﴿ افتراء ﴾ على المصدر إما على أن قولهم المحكي بمعنى الافتراء، وإما على تقدير عامل من لفظه أي افتروا افتراء أو على الحال من فاعل ﴿ قَالُواْ ﴾ أي مفترين أو على العلة أي للافتراء وهو بعيد معنى، و﴿ عَلَيْهِ ﴾ قيل : متعلق بقالوا أو بافتروا المقدر على الاحتمالين الأولين وبافتراء على الاحتمالين الأخيرين.
ولا يخفى بعد تعلقه بقالوا، والذي دعاهم إليه ومنعهم من تعلقه بالمصدر على ما قيل أن المصدر إذا وقع مفعولاً مطلقاً لا يعمل لعدم تقديره بأن والفعل، وفيه نظر لأن تأويله بذلك ليس بلازم لتعلق الجار به فإنه مما يكفيه رائحة الفعل.
وجوز أبو البقاء أن يكون الجار متعلقاً بمحذوف وقع صفة لافتراء أي افتراء كائناً عليه ﴿ سَيَجْزِيهِم ﴾ ولا بد ﴿ بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ أي بسببه أو بدله، وأبهم الجزاء للتهويل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ﴾
عطف على جملة :﴿ وكذلك زَيَّن لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤُهم ﴾ [ الأنعام : ١٣٧ ] وهذا ضرب آخر من دينهم الباطل، وهو راجع إلى تحجير التّصرّف على أنفسهم في بعض أموالهم، وتعيين مصارفه، وفي هذا العطف إيماء إلى أنّ ما قالوه هو من تلقين شركائهم وسدنة أصنامهم كما قلنا في مَعْنى زيّن لهم شركاؤُهم.
والإشارة بهذه وهذه إلى حاضر في ذهن المتكلّمين عند صدور ذلك القول : وذلك أن يقول أحدهم هذه الأصناف مصرفها كذا، وهذه مصرفها كذا، فالإشارة من مَحكِيّ قولهم حين يَشْرعون في بيان أحكام دينهم، كما يقول القَاسم : هذا لفلان، وهذا للآخر.