وقرأ الجمهور :﴿ قَتَلوا أولادهم ﴾ بتخفيف التّاء وقرأه ابن عامر بتشديد التّاء لأنّه قتْل بشدّة، وليست قراءة الجمهور مفيتة هذا المعنى، لأنّ تسليط فعل القتل على الأولاد يفيد أنَّه قتل فظيع.
وقوله :﴿ وحرموا ما رزقهم الله ﴾ نَعَى عليهم خسرانهم في أن حرّموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله، فحُرِموا الانتفاع به، وحَرَموا النّاس الانتفاع به، وهذا شامل لجميع المشركين، بخلاف الّذين قتلوا أولادهم.
والموصول الّذي يراد به الجماعة يصحّ في العطف على صلته أن تكون الجمل المتعاطفة مع الصّلة موزّعة على طوائف تلك الجماعة كقوله تعالى :﴿ إنّ الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النّبيين بغير حقّ ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذاب أليم ﴾ [ آل عمران : ٢١ ].
وانتصب ﴿ افتراء ﴾ على المفعول المطلق ل ﴿ حرّموا ﴾ : لبيان نوع التّحريم بأنَّهم نسبوه لله كذباً.
وجملة ﴿ قد ضلوا ﴾ استئناف ابتدائي لزيادة النّداء على تحقّق ضلالهم.
والضّلال : خطأ الطّريق الموصِّل إلى المقصود، فهم راموا البلوغ إلى مصالح دنيوية، والتّقرب إلى الله وإلى شركائهم، فوقعوا في المفاسد العظيمة، وأبعدهم الله بذنوبهم، فلذلك كانوا كمن رام الوصول فسلك طريقاً آخر.
وعَطْف ﴿ وما كانوا مهتدين ﴾ على ﴿ قد ضلوا ﴾ لقصد التّأكيد لمضمون جملة ﴿ ضلوا ﴾ لأنّ مضمون هذه الجملة ينفي ضدّ الجملة الأولى فتؤول إلى تقرير معناها.
والعرب إذا أكّدوا بمثل هذا قد يأتون به غير معطوف نظراً لمآل مُفاد الجملتين، وأنَّهما باعتباره بمعنى واحد، وذلك حقّ التّأكيد كما في قوله تعالى :﴿ أموات غيرُ أحياء ﴾ [ النحل : ٢١ ] وقوله :﴿ فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ﴾ [ المدثر : ٩، ١٠ ].
وقول الأعشى :
إمَّا تَرَيْنَا حُفَاة لا نِعَالَ لنا
وقد يأتون به بالعطف وهو عطف صوري لأنَّه اعتداد بأنّ مفهوم الجملتين مختلف، ولا اعتداد بمآلهما كما في قوله تعالى :﴿ وأضلّ فرعون قومَه وما هَدى ﴾ [ طه : ٧٩ ] وقوله :﴿ قد ضللتُ إذنْ وما أنا من المهتدين ﴾ [ الأنعام : ٥٦ ] وقول المتنبّي :
والبَيْنُ جارَ على ضُعفي وما عَدَلا
وكذلك جاء في هذه الآية ليفيد، بالعطف، أنَّهما خبران عن مساويهم.
و( كان ) هنا في حكم الزائدة : لأنَّها زائدة معنى، وإن كانت عاملة، والمراد : وما هم بمهتدين، فزيادة ( كان ) هنا لتحقيق النّفي مثلَ موقعها مع لام الجحود، وليس المراد أنَّهم ما كانوا مهتدين قبل أن يقتلوا أولادهم ويُحرّموا ما رزقهم الله، لأنّ هذا لا يتعلّق به غرض بليغ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾