(وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) التَّدَيُّنُ بِنَحْرِ الْأَوْلَادِ لِلْآلِهَةِ تَقَرُّبًا إِلَيْهَا بِنَذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ نَذْرٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَنْذِرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَئِنْ وُلِدَ لَهُ كَذَا غُلَامًا لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ، كَمَا حَلَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَخَبَرُهُ مَعْرُوفٌ يُذْكَرُ فِي قَصَصِ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ. وَلَوْلَا الشِّرْكُ الَّذِي يُفْسِدُ الْعُقُولَ لَمَا رَاجَتْ هَذِهِ الْوَسْوَسَةُ عِنْدَهُمْ ; وَلِذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُمْ هُنَا بِوَصْفِ (الْمُشْرِكِينَ) فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيهِمْ، وَسَمَّى الْمُزَيِّنِينَ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ كَالسَّدَنَةِ أَوِ الْجِنِّ شُرَكَاءَ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُمْ هُمْ آلِهَةً أَوْ شُرَكَاءَ ; لِأَنَّهُمْ أَطَاعُوهُمْ طَاعَةَ إِذْعَانٍ دِينِيٍّ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّبِّ الْمَعْبُودِ كَمَا وَرَدَ مَرْفُوعًا فِي تَفْسِيرِ (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ) (٩ : ٣١) فَإِنَّ مُقْتَضَى الْفِعْلِ الْإِذْعَانِيِّ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ مَدْلُولِ الْقَوْلِ اللِّسَانِيِّ لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي هَذَا دُونَ ذَاكَ، وَإِنَّنَا نَرَى كَثِيرًا مِنَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ التَّوْحِيدَ يَدْعُونَ غَيْرَ اللهِ تَعَالَى مِنَ الْمَوْتَى تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً خَاشِعِينَ عِنْدَ قُبُورِهِمْ بَاكِينَ مُتَضَرِّعِينَ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ بِالصِّفَاتِ وَذَبَائِحِ النُّسُكِ مَنْذُورَةً أَوْ غَيْرَ مَنْذُورَةٍ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَهُمْ شُرَكَاءَ لِلَّهِ وَلَا يُسَمُّونَ عِبَادَتَهُمْ هَذِهِ شِرْكًا وَلَا عِبَادَةً، وَقَدْ يُسَمُّونَهَا تَوَسُّلًا. وَالْأَسْمَاءُ لَا تُغَيِّرُ الْحَقَائِقَ وَالْأَفْعَالَ،


الصفحة التالية
Icon