الثاني : أنه مَنْصُوب بلفظ " حَقَّهُ " على معنى : وأعطوا ما اسْتِحقَّ منه يوم حَصَادِه، فيكون الاستِحْقَاق ثابتاً يوم الحَصَاد والأدَاء بعد التَّصْفِيَة ؛ ويؤيد ذلك تَقْدير المَحْذُوف عند بَعْضِهِم كما قَدَّمْتُه، وقال في نَظِير هذه الآية :﴿ انظروا إلى ثَمَرِهِ ﴾ [ بالأنعام : ٩٩ ]، وفي هذه :" كُلُوا " قيل : لأن الأولى سيقت للدَّلالة على كَمَال قُدْرَته، وعلى إعْادة الأجْسام من عجب الذنب، فأمر بالنظر والتَّفَكُّر في البدَاية والنِّهاية، وهذه سيقت في مَعْرِض كما لـ الامْتِنَان فناسب الأمْر بالأكْلِ، وتحصَّل من مجموع الآيتيْنِ : الانتِفَاعُ الأخْرَوِيّ والدُّنْيَوي، وهذا هو السَّبَب لتقدُّم النَّظَر على الأمْر بالأكْل كما قدمنا. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٨ صـ ٤٦٨ ـ ٤٧١﴾. باختصار.
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
قوله جلّ ذكره :﴿ وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ ﴾.
يعني كما أنشأ في الظاهر جناتٍ وبساتينَ كذلك أنشأ في السِّر جناتٍ وبساتين، ونزهة القلوب أثم من جنات الظاهر ؛ فأزهار القلوب مونِقة، وشموس الأسرار مشقة، وأنهار المعارف زاخرة.
ويقال كما تتشابه الثمار كذلك تتماثل الأحوال، وكما تختلف طعومها وروائحها مع تشاكلها من وجه، فكذلك الأحوال مختلفة القضايا، وإن اشتركت في كونها أحوالاً.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَآتُو حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾.
حَقُّ الواجبِ يومَ الحصاد إقامة الشكر، فأمَّا إخراج البعض فبيانه على لسانه العلم، وشهودُ المِنعم في عين النعمة أتمُّ من الشكر على وجود النعمة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon