البحث الثالث : قوله :﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ يدل على أن صيغة الأمر قد ترد في غير موضع الوجوب وفي غير موضع الندب، وعند هذا قال بعضهم : الأصل في الاستعمال الحقيقة، فوجب جعل هذه الصيغة مفيدة لرفع الحجر، فلهذا قالوا : الأمر مقتضاه الإباحة، إلا أنا نقول : نعلم بالضرورة من لغة العرب أن هذه الصيغة تفيد ترجيح جانب الفعل، وأن حملها على الإباحة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١٧٤ ﴾
وقال السمرقندى :
﴿ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ ﴾ وإنما ذكر ثمره بلفظ التذكير، لأنه انصرف إلى المعنى يعني : ثمره الذي ذكرها ﴿ وَهُوَ الذى أَنشَأَ جنات ﴾ يعني : أعطوا زكاته يوم كيله ورفعه. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ كُلُواْ ﴾ أمر إباحة كما نص عليه غير واحد ﴿ مِن ثَمَرِهِ ﴾ الكلام في مرجع الضمير على طرز ما تقدم آنفاً ﴿ إِذَا أَثْمَرَ ﴾ وإن لم ينضج وينيع بعد ففائدة التقييد إباحة الأكل قبل الإدراك، وقيل : فائدته رخصة المالك في الأكل منه قبل أداء حق الله تعالى وهو اختيار الجبائي وغيره. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
والثَمَر : بفتح الثّاء والميم وبضمّهما وقرىء بهما كما تقدّم بيانه في نظيرتها.
والأمر للإباحة بقرينة أن الأكل من حقّ الإنسان الّذي لا يجب عليه أن يفعله، فالقرينة ظاهرة.
والمقصود الردّ على الّذين حجّروا على أنفسِهِم بعض الحرث.
و﴿ إذا ﴾ مفيدة للتّوقيت لأنها ظرف، أي : حين إثماره، والمقصود من التّقييد بهذا الظّرف إباحة الأكل منه عند ظهوره وقبل حصاده تمهيداً لقوله :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ أي : كلوا منه قبل أداء حقّه.
وهذه رخصة ومنّة، لأنّ العزيمة أن لا يأكلوا إلاّ بعد إعطاء حقّه كيلا يستأثروا بشيء منه على أصحاب الحقّ، إلاّ أنّ الله رخّص للنّاس في الأكل توسعة عليهم أن يأكلوا منه أخضر قبل يبسه لأنَّهم يستطيبونه كذلك، ولذلك عقّبه بقوله :﴿ ولا تسرفوا ﴾ كما سيأتي.
وإفراد الضّميرين في قوله :﴿ من ثمره إذا أثمر ﴾ على اعتبار تأويل المعاد بالمذكور. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾