قال شارحه القطب الشّيرازي : لاستلزام انتفاء محلّ التّحريم انتفاءَ التّحريم لأنَّه عرض يمتنع وجوده، أي التّحريم، دون محلّ يقوم به فإذا انتفى ( أي محلّه ) انتفى هو أي التّحريم ا ه.
أقول وجه الاستدلال : أنّ الله لو حرّم أكل بعض الذّكور من أحد النّوعين لحرّم البعضَ الآخر، ولو حرّم أكل بعض الإناث لحرّم البعض الآخر.
لأنّ شأن أحكام الله أن تكون مطّردة في الأشياء المتّحدة بالنّوع والصّفة، ولو حَرّم بعض ما في بطون الأنعام على النّساء لحرّم ذلك على الرّجال، وإذْ لم يحرّم بعضها على بعض مَع تماثل الأنواع والأحوال.
أنتجَ أنَّه لم يحرّم البعض المزعوم تحريمُه، لأنّ أحكام الله منوطة بالحكمة، فدلّ على أنّ ما حرّموه إنَّما حرّموه من تلقاء أنفسهم تحكّماً واعتباطاً، وكان تحريمهم ما حرّموه افتراءً على الله.
ونهضت الحجّة عليهم، الملجئةُ لهم، كما أشار إليه كلام النّبيء ﷺ لمالك بن عوف الجُشمي المذكورُ آنفاً، ولذلك سَجَّل عليهم بقوله :﴿ نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ﴾ فقوله :﴿ ءآلذكرين حرم ﴾ أي لو حرّم الله ءآلذكرين لسوّى في تحريمهما بين الرّجال والنّساء.
وكذلك القول في الأنثيين، والاستفهام في قوله :﴿ ءآلذكرين حرم ﴾ في الموضعين مُستعمل في التّقرير والإنكار بقرينة قوله قبله :﴿ سيجزيهم وصفهم إنَّه حكيم عليم ﴾[ الأنعام : ١٣٩ ].
وقوله :﴿ ولا تتَّبعوا خطوات الشّيطان ﴾ [ البقرة : ١٦٨ ].
ومعلوم أنّ استعمال الاستفهام في غير معنى طلب الفهم هو إما مجاز أو كناية.
ولذلك تعيَّن أن تكون ﴿ أم ﴾ منقطعة بمعنى ( بل ) ومعناها الإضراب الانتقالي تعديداً لهم ويُقَدّر بعدها استفهام.
فالمفرد بعد ﴿ أم ﴾ مفعول لفعل محذوف، والتّقدير : أم أحرّم الأنثيين.
وكذلك التّقدير في قوله :﴿ أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ﴾ وكذلك التّقدير في نظيره.