وقال الآلوسى :
﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ ﴾
أي اليهود كما قال مجاهد والسدي وغيرهما وهو الذي يقتضيه الظاهر لأنهم أقرب ذكراً ولذكر المشركين بعد بعنوان الإشراك، وقيل : الضمير للمشركين.
فالمعنى على الأول : إن كذبك اليهود في الحكم المذكور وأصروا على ما كانوا عليه من ادعاء قدم التحريم ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم ﴿ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ ﴾ عظيمة ﴿ وَاسِعَةٌ ﴾ لا يؤاخذكم بكل ما تأتونه من المعاصي ويمهلكم على بعضها ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ ﴾ أي لا يدفع عذابه بالكلية ﴿ عَنِ القوم المجرمين ﴾ فلا تنكروا ما وقع منه تعالى من تحريم بعض الطيبات عليكم عقوبة وتشديداً.
وعلى الثاني : فإن كذبك المشركون فيما فصل من أحكام التحليل والتحريم فقل لهم ربكم ذو رحمة واسعة ولا يعاجلكم بالعقوبة على تكذيبكم فلا تغتروا بذلك فإنه إمهال لا إهمال.
وقيل يحتمل أن يكون المراد أنه تعالى ذو رحمة واسعة فهو يرحمني بتوفيق كثير لتصديقي فلا يضرني تكذيبكم ويضركم لأنه لا يرد بأسه عن المجرمين المكذبين أو سيرحمني بالانتقام منكم ولا يرد بأسه عنكم وفيه بعد، وقيل : المراد ذو رحمة للمطيعين وذو بأس شديد على المجرمين فأقيم مقامه قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُرَدُّ ﴾ الخ لتضمنه التنبيه على إنزال البأس عليهم مع الدلالة أنه لاحق بهم ألبتة من غير صارف يصرفه عنهم أصلاً. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾
تفريع على الكلام السّابق الذي أبطل تحريم ما حرّموه، ابتداء من قوله :﴿ ثمانية أزواج ﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ] الآيات أي : فإن لم يرعَوُوا بعد هذا البيان وكذّبوك في نفي تحريم الله ما زعموا أنَّه حرّمه فذكِّرهم ببأس الله لعلّهم ينتهون عمّا زعموه، وذكِّرهم برحمته الواسعة لعلّهم يبادرون بطلب ما يخوّلهم رحمته من اتّباع هَدي الإسلام، فيعود ضمير :﴿ كذبوك ﴾ إلى المشركين وهو المتبادر من سياق الكلام : سابِقِه ولاحقه، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون في قوله :﴿ فقل ربكم ذو رحمة واسعة ﴾ تنبيه لهم بأنّ تأخير العذاب عنهم هو إمهال داخل في رحمة الله رحمة مؤقّته، لعلّهم يسلمون.


الصفحة التالية
Icon