فجوابه من وجوه : أولها : أن قوله تعالى في سورة البقرة :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة والدم وَلَحْمَ الخنزير وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله﴾ [ البقرة : ١٧٣ ] آية مدنية نزلت بعد استقرار الشريعة، وكلمة ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر فدل هاتان الآيتان على أن الحكم الثابت في شريعة محمد عليه الصلاة والسلام من أولها إلى آخرها ليس إلا حصر المحرمات في هذه الأشياء، وثانيها : أنه لما ثبت بمقضتى هاتين الآيتين حصر المحرمات في هذه الاْربعة كان هذا اعترافاً بحل ما سواها، فالقول بتحريم شيء خامس يكون نسخاً، ولا شك أن مدار الشريعة على أن الأصل عدم النسخ، لأنه لو كان احتمال طريان الناسخ معادلاً لاحتمال بقاء الحكم على ما كان، فحينئذ لا يمكن التمسك بشيء من النصوص في إثبات شيء من الأحكام لاحتمال أن يقال : إنه وإن كان ثابتاً إلا أنه زال، ولما اتفق الكل على أن الأصل عدم النسخ، وأن القائل به والذاهب إليه هو المحتاج إلى الدليل علمنا فساد هذا السؤال.
وأما جوابهم الثالث : وهو أنا نخصص عموم القرآن بخبر الواحد.
فنقول : ليس هذا من باب التخصيص، بل هو صريح النسخ، لأن قوله تعالى :﴿قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا على طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ مبالغة في أنه لا يحرم سوى هذه الأربعة، وقوله في سورة البقرة :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الميتة﴾ وكذا وكذا، تصريح بحصر المحرمات في هذه الأربعة، لأن كلمة ﴿إِنَّمَا﴾ تفيد الحصر، فالقول بأنه ليس الأمر كذلك يكون دفعاً لهذا الذي ثبت بمقتضى هاتين الآيتين أنه كان ثابتاً في أول الشريعة بمكة، وفي آخرها بالمدينة، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز.