﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] هذا لمضرته بالبدن ﴿أو لحم خنزير﴾ وهذا لتخبيثه للنفس وترجيسه لها كما قال تعالى ﴿فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به﴾ وهذا لرينه على القلب، وهذه الآية مدنية وأثبتها تعالى في سورة مكية إشعاراً بأن التحريم كان مستحقاً في أول الدين ولكن أخر إلى حين اجتماع جمة الإسلام بالمدينة تأليفاً لقلوب المشركين وتيسيراً على ضعفاء الدين الذين آمنوا واكتفاء للمؤمنين بتنزههم عن ذلك وعما يشبهه استبصاراً منهم حتى أن الصديق رضي الله عنه كان قد حرم الخمر على نفسه في زمن الجاهلية لما رأى فيها من نزف العقل، فكيف بأحوالهم بعد الإسلام! وألحق بها في سورة ﴿الذين آمنوا﴾ ما كان قتله سطوة من غير ذكر الله عليه من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما أدرك بالتذكية المنهرة للدم الموصل في التحريم لفساد مسفوحه بما هو خارج عن حد الطعام في الابتداء والأعضاء في الانتهاء المستدركة ببركة التسمية أثر ما أصابها من مفاجأة السطوة، وألحق بها أيضاً في هذه السورة تحريم الخمر لرجسها كالخنزير كما ألحقت المقتولة بالميتة، وكما حرم الله ما فيه جماع الرجس من الخنزير وجماع الإثم من الخمر حرم رسول الله ﷺ ما كان فيه حظ من ذلك، فألحق بالخنزير السباع حماية من سورة غضبها لشدة المضرة في ظهور الغضب من العبيد لأنه لا يصلح إلاّ لسيدهم، وحرم الحمر الأهلية حماية من بلادتها وحرانها الذي هو علم غريزة الخرق في الخلق، وألحق ﷺ بتحريم الخمر التي سكرها مطبوع تحريمَ المسكر الذي سكره مصنوع، وكما حرم الله ما يغر العبد في ظاهره وباطنه حرم عليه فيما بينه وبينه ما يقطعه عنه من أكل الربا، والربا بضع وسبعون باباً والشرك مثل ذلك، وجامع منزله في قوله تعالى ﴿الذين يأكلون الربا﴾ إلى قوله :{وأحل