ثمّ فرع على فرض أن يحضروا شهداء يشهدون، قوله :﴿ فإن شهدوا فلا تشهد معهم ﴾، أي إن فرض المستبعد فأحضروا لك شهداء يشهدون أنّ الله حرّم هذا الذي زعموه، فكذّبهم وأعلم بأنَّهم شهود زور، فقوله :﴿ فلا تشهد معهم ﴾ كناية عن تكذيبهم لأنّ الذي يصدق أحداً يوافقه في قوله، فاستعمل النّهي عن موافقتهم في لازمه، وهو التّكذيب، وإلاّ فإنّ النَّهي عن الشّهادة معهم لمن يعلم أنَّه لا يشهد معهم لأنَّه لا يصدّق بذلك فضلاً على أن يكون شاهده من قبيل تحصيل الحاصل، فقرينة الكناية ظاهرة.
وعُطف على النّهي عن تصديقهم، النّهيُ عن اتّباع هواهم بقوله :﴿ ولا تتبع أهواء الذين كذبوا ﴾.
وأظهر في مقام الإضمار قوله :﴿ الذين كذبوا بآياتنا ﴾ لأنّ في هذه الصّلة تذكيراً بأنّ المشركين يكذّبون بآيات الله، فهم ممّن يتجنّب اتَّباعهم، وقيل : أريد بالذين كذبوا اليهود بناء على ما تقدّم من احتمال أن يكونوا المراد من قوله :﴿ فإن كذّبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ﴾ [ الأنعام : ١٤٧ ] وسمَّى دينهم هوى لعدم استناده إلى مستند ولكنّه إرضاء للهوى.
والهوى غلب إطلاقه على محبّة الملائم العاجل الذي عاقبته ضرر.
وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم ﴾ في سورة البقرة ( ١٤٥ ).
وقوله : والذين لا يؤمنون بالآخرة } عطف على ﴿ الذين كذبوا ﴾ والمقصود عطف الصّلة على الصّلة لأنّ أصحاب الصّلتين متّحدون، وهم المشركون، فهذا كعطف الصّفات في قول القائل، أنشده الفراء :
إلى الملك القرم وابن الهما
م وليثثِ الكتيبة في المزدَحَم...
كان مقتضَى الظاهر أن لا يعاد اسم الموصول لأنّ حرف العطف مغن عنه، ولكن أجري الكلام على خلاف مقتصى الظاهر لزيادة التّشهير بهم، كما هو بعض نكت الإظهار في مقام الإضمار.
وقيل : أريد بالذين كذّبوا بالآيات : الذين كذّبوا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام والقرَآن، وهم أهل الكتابين، وبالذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربِّهم يعدلون : المشركون، وقد تقدّم معنى :﴿ بربهم يعدلون ﴾ عند قوله تعالى :﴿ ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ﴾ في أوّل هذه السورة ( ١ ). أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon