وعطف ﴿ ءابَاؤُنَا ﴾ على الضمير المرفوع في ﴿ أَشْرَكْنَا ﴾ وساغ ذلك عند البصريين وإن لم يؤكد الضمير لأنه يكفي عندهم أي فاصل كان، وقد فصل بلا ههنا، والكوفيون لا يشترطون في ذلك شيئاً ويستدلون بما هنا ولا يعتبرون هذا الفصل لأنه ينبغي أن يتقدم حرف العطف ليدفع الهجنة ولا يكفي عندهم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، وتوقف أبو علي في كفاية الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه وإن لم يفصل حرف العطف.
وادعى الإمام "أن في الكلام تقديراً لأن النفي لا يصرف إلى ذوات الآباء بل يجب صرفه إلى فعل صدر منهم وذلك هو الإشراك فيكون التقدير ما أشركنا ولا أشرك آباؤنا وحينئذ فلا إشكال.
﴿ حتى ذَاقُواْ بَأْسَنَا ﴾ أي نالوا عذابنا الذي أنزلناه عليهم بتكذيبهم، وفيه على ما قيل إيماء إلى أن لهم عذاباً مدخراً عند الله تعالى لأن الذوق أول إدراك الشيء.
﴿ قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ ﴾ أي من أمر معلوم يصح الاحتجاج به على زعمكم ﴿ فَتُخْرِجُوهُ ﴾ أي فتظهروه ﴿ لَنَا ﴾ على أتم وجه وأوضح بيان، وقيل : المراد هل لكم من اعتقاد ثابت مطابق فيما اتدعيتم أن الإشراك وسائر ما أنتم عليه مرضي لله تعالى فتظهروه لنا بالبرهان، وجعل إمام الحرمين في "الإرشاد" هذا وما بعده دليلاً على أن المشركين إنما استوجبوا التوبيخ على قولهم ذلك لأنهم كانوا يهزؤن بالدين ويبغون رد دعوة الأنبياء عليهم السلام حيث قرع مسامعهم من شرائع الرسل عليهم السلام تفويض الأمور إليه سبحانه فحين طالبوهم بالإسلام والتزام الأحكام احتجوا عليهم بما أخذوه من كلامهم مستهزئين بهم عليهم الصلاة والسلام ولم يكن غرضهم ذكر ما ينطوي عليه عقدهم كيف لا والإيمان بصفات الله تعالى فرع الإيمان به عز شأنه وهو عنهم مناط العيوق.