وحاصل هذه الحجّة : أنَّهم يحتجّون على النّبيء ﷺ بأنّ ما هم عليه لو لم يكن برضى الله تعالى لصَرَفَهم عنه ولَمَا يسَّره لهم، يقولون ذلك في معرض إفحام الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وإبطال حُكمه عليهم بالضّلالة، وهذه شبهة أهل العقول الأفِنة الذين لا يُفرّقون بين تصرّف الله تعالى بالخَلْق والتّقدير وحفظِ قوانين الوجود، وهو التصرّف الذي نسمّيه نحن بالمشيئة وبالإرادة، وبين تصرّفه بالأمر والنّهي، وهو الذي نسمّيه بالرّضى وبالمحبّة، فالأوّل تصرّف التّكوين والثّاني تصرف التّكليف، فهم يحسبون أنّ تمكّنهم من وضع قواعد الشّرك ومن التّحريم والتّحليل ما هو إلاَّ بأن خلق الله فيهم التمكّن من ذلك، فيحسبون أنَّه حين لم يمسك عِنان أفعالهم كان قد رضي بما فعلوه، وأنَّه لو كان لا يرضى به لما عجز عن سلب تمكّنهم، يحسبون أنّ الله يُهمّه سوءُ تصرّفهم فيما فطرهم عليه، ولو كان كما يتوهَّمون لكان الباطل والحقّ شيئاً واحداً، وهذا ما لا يفهمه عقل حَصيف، فإنّ أهل العقول السّخيفة حين يتوهَّمون ذلك كانوا غير ملتفتين إلاّ إلى جانب نحلتهم ومعرضين عن جانب مخالفهم، فإنَّهم حين يقولون :﴿ لو شاء الله ما أشركنا ﴾ غافلون عن أن يقال لهم.
من جانب الرّسول : لو شاء الله ما قلتُ لكم أنّ فعلكم ضلال، فيكون الله على حسب شبهتهم قد شاء الّشيء ونقيضه إذ شاء أنَّهم يشركون وشاء أن يقول لهم الرّسول لا تشركوا.


الصفحة التالية
Icon