وقد لَبَّست المعتزلة بقوله :"لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا" فقالوا : قد ذم الله هؤلاء الذين جعلوا شركهم عن مشيئته.
وتعلّقهم بذلك باطل ؛ لأن الله تعالى إنما ذمّهم على ترك اجتهادهم في طلب الحق.
وإنما قالوا ذلك على جهة الهزء واللّعب.
نظيره ﴿ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ ﴾ [ الزخرف : ٢٠ ].
ولو قالوه على جهة التعظيم والإجلال والمعرفة به لما عابهم ؛ لأن الله تعالى يقول :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكُواْ ﴾ [ الأنعام : ١٠٧ ].
و﴿ مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ﴾ [ الأنعام : ١١١ ].
﴿ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ النحل : ٩ ].
ومثله كثير.
فالمؤمنون يقولونه لعلم منهم بالله تعالى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٧ صـ ﴾
وقال الخازن :
قوله تعالى :﴿ قل فلله الحجة البالغة ﴾ يعني : قل يا محمد لهؤلاء المشركين حين عجزوا عن إظهار علم الله أو حجة لهم فللّه الحجة البالغة يعني التامة على خلقه بإنزال الكتاب وإرسال الرسل.
قال الربيع بن أنس : لا حجة لأحد عصى الله أو أشرك به على الله ولكن لله الحجة البالغة على عباده ﴿ فلو شاء لهداكم أجمعين ﴾ يعني فلو شاء الله لوفقكم أجمعين للهداية ولكنه لم يشأ ذلك وفيه دليل على أنه تعالى لم يشأ إيمان الكافر ولو شاء لهداه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
وقال أبو حيان :
﴿ قل فللّه الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ﴾
بين ﴿ قل ﴾ والفاء محذوف قدره الزمخشري فإن كان الأمر كما زعمتم إن ما أنتم عليه بمشيئة الله فللّه الحجة البالغة عليكم وعلى ردّ مذهبكم، ﴿ لو شاء لهداكم أجمعين ﴾ منكم ومن مخالفيكم فإن تعليقكم دينكم بمشيئة الله يقتضي أن تعلقوا دين من يخالفكم أيضاً بمشيئته فتوالوهم ولا تعادوهم وتوقروهم ولا تخالفوهم، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه ؛ انتهى.