الوجه السابع : ما قرره الناصر في " الانتصاف " : إنّ الرد عليهم إنَّما كان لاعتقادهم أنهم مسلوبون اختيارهم وقدرتهم، وإن إشراكهم إنما صدر منهم على وجه الاضطرار، وزعموا أنهم يقيمون الحجَّة على الله ورسله بذلك. فرد الله قولهم وكذبهم في دعواهم - عدم الاختيار لأنفسهم -وشبَّهَهُمْ بمن اغترّ قبلهم بهذا الخيال فكذب الرسل. وأشرك بالله، واعتمد على أنه إنما يفعل ذلك كلّه بمشيئة الله، ورامّ إفحامّ الرسل بهذه الشبهة. ثم بيَّن الله تعالى أنهم لا حجّة لهم في ذلك وأن الحجة البالغة له لا لهم، بقوله :﴿ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾. ثم أوضح تعالى أنّ كل واقع بمشيئته، وإنه لم يشأ منهم إلا ما صدر عنهم. وأنه لو شاء منهم الهداية لاهتدوا أجمعون بقوله :﴿ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ : والمقصود من ذلك : أن يتمحّض وجه الردّ عليهم، ويتخلص عقيدة نفوذ المشيئة، وعموم تعلقها بكل كائن عن الرّد ؛ وينصرف الرّد إلى دعواهم بسلب الاختيار لأنفسهم، وإلى إقامتهم الحجة بذلك خاصة. وإذا تدبّرت هذه وجدتها كافية في الرد على من زعم من أهل القبلة أن العبد لا اختيار له ولا قدرة البتة. بل هو مجبور على أفعاله مقهورٌ عليها. وهم الفرقة المعروفون بـ ( المجبرة ). والزمخشري يغالط في الحقائق فيسمي أهل السنة مجبرة وإن أثبتوا للعبد اختياراً وقدرةً، لأنهم يسلبون تأثير قدرة العبد ويجعلونها مقارنة لأفعاله الاختيارية مميزة بينها وبين أفعاله القسرية. فمن هذه الجهة سوّى بينهم وبين المجبرة، ويجعله لقباً عاماً لأهل السنة. وبإجماع الرد على المجبرة - الذين ميزناهم عن أهل السنة -في قوله تعالى :﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ ﴾ -إلى قوله تعالى :﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾. وتتمة الآية ردٌّ صراح على ( طائفة الاعتزال ) القائلين بأنّ الله تعالى شاء الهداية منهم أجمعين. فلم تقع من أكثرهم !


الصفحة التالية
Icon