وقال أبو السعود :
﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم ﴾ توجيهُ النهي إلى قُربانه من المبالغة في النهي عن أكله ولإخراج القُربان النافعِ عن حكم النهي بطرق الاستثناءِ، أي لا تتعرضواله بوجه من الوجوه ﴿ إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ ﴾ إلا بالخَصلة التي هي أحسنُ ما يكون من الحِفظ والتثميرِ ونحو ذلك، والخطابُ للأولياء والأوصياء لقوله تعالى :﴿ حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ فإنه غايةٌ لما يُفهم من الاستثناء لا للنهي كأنه قيل : احفظوه حتى يصيرَ بالغاً رشيداً فحينئذ سلّموه إليه كما في قوله تعالى :﴿ وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ﴾ والأشُدُّ جمع شِدّة كنعمة وأنعم أو شَدّ ككلب وأكلُب أو شد كصر وآصر وقيل : هو مفرد كآنُك ﴿ وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط ﴾ أي بالعدل والتسوية ﴿ لاَ نُكَلّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ إلا ما يسعُها ولا يعسُر عليها، وهو اعتراضٌ جيء به عَقيبَ الأمرِ بالأمر للإيذان بأن مراعاةَ العدلِ كما هو عسيرٌ كأنه قيل : عليكم بما في وسعكم وما وراءه معفوٌّ عنكم ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ ﴾ قولاً في حكومة أو شهادة أو نحوِهما ﴿ فاعدلوا ﴾ فيه ﴿ وَلَوْ كَانَ ﴾ أي المقولُ له أو عليه ﴿ ذَا قربى ﴾ أي ذا قرابةٍ منكم ولا تميلوا نحوهم أصلاٌ وقد مر تحقيق معنى لو في مثل هذا الموضعِ مراراً ﴿ وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ﴾ أي ما عَهد إليكم من الأمور المعدودةِ، أو أيِّ عهدٍ كان فيدخُل فيه ما ذُكر دخولاً أولياً أو ما عاهدتم الله عليه من الإيمان والنذور، وتقديمُه للاعتناء بشأنه ﴿ ذلكم ﴾ إشارةٌ إلى ما فُصِّل من التكاليف، ومعنى البُعد لما ذكر فيما قبل ﴿ وصاكم بِهِ ﴾ أمركم به أمراً مؤكداً ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ تتذكرون ما في تضاعيفه وتعملون بمقتضاه، وقرىء بتشديد الذالِ وهذه أحكامٌ عشَرةٌ لا تختلف باختلاف الأممِ والأعصارِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾