بَدَأَ تَعَالَى هَذِهِ الْوَصَايَا بِأَكْبَرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَفْظَعِهَا وَأَشَدِّهَا إِفْسَادًا لِلْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ كَانَ بِاتِّخَاذِ الْأَنْدَادِ لَهُ، أَوِ الشُّفَعَاءِ الْمُؤَثِّرِينَ فِي إِرَادَتِهِ الْمُصَرِّفِينَ لَهَا فِي الْأَعْمَالِ، وَمَا يُذَكِّرُ بِهِمْ مِنْ صُوَرٍ وَتَمَاثِيلَ وَأَصْنَامٍ أَوْ قُبُورٍ - أَوْ كَانَ بِاتِّخَاذِ الْأَرْبَابِ الَّذِينَ يُشَرِّعُونَ الْأَحْكَامَ، وَيَتَحَكَّمُونَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ - وَكَذَا مَنْ يُسْنَدُ إِلَيْهِمُ التَّصَرُّفُ الْخَفِيُّ فِيمَا وَرَاءَ الْأَسْبَابِ - وَكُلُّ ذَلِكَ وَاضِحٌ مِنَ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ وَتَفْسِيرِهَا. وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : أَوَّلُ مَا أَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ فِي بَيَانِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ - أَوْ - أَوَّلُ مَا وَصَّاكُمْ بِهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَاحِقُ الْكَلَامِ، هُوَ أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَظِيمَةً فِي الْخَلْقِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ، أَوْ عَظِيمَةً فِي الْقَدْرِ كَالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ، فَإِنَّمَا عِظَمُ الْأَشْيَاءِ الْعَاقِلَةِ وَغَيْرِ الْعَاقِلَةِ بِنِسْبَةِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، وَذَلِكَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مِنْ خَلْقِ اللهِ وَمُسَخَّرَةً بِقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَعَنْ كَوْنِ الْعَاقِلِ مِنْهَا مِنْ عَبِيدِهِ (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) (١٩ : ٩٣) - أَوْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الشِّرْكِ صَغِيرَهُ أَوْ كَبِيرَهُ - وَمُقَابِلُهُ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَهُ لَكُمْ عَلَى لِسَانِ


الصفحة التالية
Icon