وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾
استئناف جاء عقب الوعيد كالنّتيجة والفذلكة، لأنّ الله لما قال لرسوله ﷺ ﴿ قل انتظروا إنا منتظرون ﴾ [ الأنعام : ١٥٨ ] أعقب ذلك بأنّ الفريقين متباينان مُتجافيان في مدّة الانتظار.
وجيء بالموصوليّة لتعريف المسند إليه لإفادة تحقّق معنى الصّلة فيهم، لأنَّها تناسب التّنفير من الاتّصال بهم، لأنّ شأن الدّين أن يكون عقيدة واحدة وأعمالاً واحدة، والتّفرّق في أصوله ينافي وحدته، ولذلك لم يزل علماء الإسلام يبْذلون وسعهم لاستنباط مراد الله من الأمّة، ويعلمون أنّ الحقّ واحدٌ وأنّ الله كلّف العلماء بإصابته وجعل للمصيب أجرين ولمن أخطأه مع استفراغ الوسع أجراً واحداً، وذلك أجر على بذل الوسع في طلبه فإنّ بذل الوسع في ذلك يوشك أن يُبلِّغ المقصود.
فالمراد بـ ﴿ الذين فرّقوا دينهم ﴾ قال ابن عبّاس : هم المشركون، لأنَّهم لم يَتّفقوا على صورة واحدة في الدين، فقد عبدت القبائل أصناماً مختلفة، وكان بعض العرب يعبدون الملائكة، وبعضهم يعبد الشّمس، وبعضهم يعبد القمر، وكانوا يجعلون لكلّ صنم عبادة تخالف عبادة غيره.
ويجوز أن يراد : أنَّهم كانوا على الحنيفيّة، وهي دين التّوحيد لجميعهم، ففرّقوا وجعلوا آلهة عباداتها مختلفة الصّور.
وأمّا كونهم كانوا شيعاً فلأنّ كلّ قبيلة كانت تنتصر لصنمها، وتزعم أنّه ينصرهم على عُبَّاد غيره كما قال ضِرار بن الخطّاب الفهري :
وفَرّت ثقيفٌ إلى لاتها
بمنقلَب الخائب الخاسر...
ومعنى :﴿ لست منهم في شيء ﴾ أنّك لا صلة بينك وبينهم.
فحرف ( مِن ) اتّصالية.
وأصلها ( من ) الابتدائيّة.