وقرىء ﴿ كَذَّبَ ﴾ بالتخفيف، والجار الأول : متعلق بما عنده، والثاني : يحتمل ذلك وهو الظاهر.
ويحتمل أن يكون متعلقاً بمحذوف وقع حالاً، والمعنى كذب ومعه آيات الله تعالى ﴿ وَصَدَفَ عَنْهَا ﴾ أي أعرض غير مفكر فيها كما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أو صرف الناس عنها فجمع بين الضلال والإضلال، والفعل على الأول : لازم وعلى الثاني : متعد وهو الأكثر استعمالاً.
﴿ سَنَجْزِى الذين يَصْدِفُونَ عَنْ ءاياتنا ﴾ وعيد لهم ببيان جزاء ( إعراضهم أو صدهم ) بحيث يفهم منه جزاء ( تكذيبهم )، ووضع الموصول موضع الضمير لتحقيق مناط الجزاء ﴿ سُوء العذاب ﴾ أي العذاب السيء الشديد ( النكاية ) ( ١ ) ﴿ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ ﴾ أي بسبب ما كانوا يفعلون الصدف ( والصرف ) ( ١ ) على التجدد والاستمرار، وهذا تصريح بما أشعر به إجراء الحكم على الموصول من علية ما في حيز الصلة له. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
ولقد تهيّأ المقام بعد هذا التّنبيه العجيب لفاء الفصيحة في قوله :﴿ فقد جاءكم بينة من ربكم ﴾ وتقديرها : فإذا كنتم تَقولون ذلك ويهجس في نفوسكم فقد جاءكم بيانٌ من ربِّكم يعني القرآن، يدفع عنكم ما تستشعرون من الانحطاط عن أهل الكتاب.
والبيّنة ما به البيان وظهور الحقّ.
فالقرآن بيّنة على أنَّه من عند الله لإعجازه بلغاء العرب، وهو هدي بما اشتمل عليه من الإرشاد إلى طرق الخير، وهو رحمة بما جاء به من شريعة سمحة لا حرج فيها، فهي مقيمة لصلاح الأمّة مع التّيسير.
وهذا من أعجب التّشريع وهو أدلّ على أنَّه من أمر العليم بكلّ شيء.
وتفرّع عن هذا الإعذار لهم الإخبار عنهم بأنَّهم لا أظلم منهم، لأنَّهم كذّبوا وأعرضوا.
فالفاء في قوله :﴿ فمن أظلم ﴾ للتّفريع.
والاستفهامُ إنكاري، أي لا أحد أظلم من الذين كذّبوا بآيات الله.


الصفحة التالية
Icon