وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ﴾
قد يحتج المشركون من أن التوراة والإنجيل لو نزلت عليهم لكانوا أهدى من اليهود والنصارى، وفي هذا القول ما يعني أن أذهانهم مستعدة لتقبل الإيمان، وقد قطع الله عليهم كل عذر فجاء لهم بالقرآن، ويقول الحق :﴿ فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها... ﴾ [ الأنعام : ١٥٧ ]
و" صدف " من الأفعال التي تستعمل متعدية وتستعمل لازمة، ومعنى " لازمة " أنها تكتفي بالفاعل ولا تتطلب مفعولا، فمثلا إذا قيل لك : جلس فلان. تفهم أن فلانا قد جلس ويتم لك المعنى ولا تتطلب شيئا آخر. لكنك إن قيل لك : ضرب زيد، فلا بد أنك تنتظر من محدثك أن يبين لك من الذي ضرب، أي أنك جئت بفعل يطلب شئيا بعد الفاعل ليقع عليه الفعل. وهذا اسمه فعل " متعد " أي يتعدى به الفاعل إلى مفعول به.
و" صدف " فيها الخاصتان. وجاء الحق بهذه الصيغة المحتملة لأن تكون لازمة وأن تكون متعدية ليصيب الأسلوب غرضين ؛ الغرض الأول : أن تكون " صدف " بمعنى انصرف وأعرض فكانت لازمة أي ضل في ذاته، والأمر الثاني : أن تكون صدف متعدية فهي تدل على أنه يصرف غيره عن الإيمان، أي يضل غيره، ويقع عليه الوزر ؛ لضلال نفسه أولا ثم عليه وزر من أضل ثانيا، ولذلك جاء سبحانه باللفظ الذي يصلح للاثنتين " صدف عنها " أي انصرف، ضلالا لنفسه، وصدف غيره أي جعل غيره يصدف ويعرض فأضل غيره، وبذلك يعذبه الله عذابين، فيقول سبحانه :﴿... سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سواء العذاب بما كانوا يصدفون ﴾ [ الأنعام : ١٥٧ ]