وقال الفراء والكسائي : المعنى فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة ﴿ إِنَّمَا أُنزِلَ الكتاب ﴾ أي التوراة والإنجيل ﴿ على طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ﴾ وهم اليهود والنصارى ولم ينزل علينا كتاب ﴿ وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ ﴾ أي عن تلاوة كتبهم بلغاتهم ﴿ لغافلين ﴾ أي لا ندري ما فيها، ومرادهم إثبات نزول الكتابين مع الاعتذار عن اتباع ما فيهما بعدم الدراية منهم، والغفلة عن معناهما.
قوله :﴿ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب ﴾ معطوف على ﴿ تَقُولُواْ ﴾ أي أو أن تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الطائفتين من قبلنا ﴿ لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ ﴾ إلى الحق الذي طلبه الله، فإن هذه المقالة والمعذرة منهم مندفعة بإرسال محمد ﷺ إليهم، وإنزال القرآن عليه، ولهذا قال :﴿ فَقَدْ جَاءكُمْ بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ ﴾ أي كتاب أنزله الله على نبيكم، وهو منكم يا معشر العرب، فلا تعتذروا بالأعذار الباطلة وتعللوا أنفسكم بالعلل الساقطة، فقد أسفر الصبح لذي عينين ﴿ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ معطوف على ﴿ بَيّنَةً ﴾ أي جاءكم البينة الواضحة، والهدى الذي يهتدي به كل من له رغبة في الاهتداء، ورحمة من الله يدخل فيها كل من يطلبها ويريد حصولها، ولكنكم ظلمتم أنفسكم بالتكذيب بآيات الله، والصدوف عنها، أي الانصراف عنها.


الصفحة التالية
Icon