ولما أنكر على من يجنح إلى غيره مع عموم بره وخيره، أتبعه الترويع من قويم عدله في عظيم ضره فقال :﴿ولا﴾ أي والحال أنه لا ﴿تكسب كل نفس﴾ أي ذنباً وإن قل مع التصميم والعزم القوي الذي هو بحيث يصدقه العمل - كما مضى في آية البقرة ﴿إلا عليها﴾ أي لا يمكن أن يكون باطلاً لا عليها ولا على غيرها، وإذا كان عليها لا يمكن أن يحاسب به سبحانه سواها لأنه عدل حكيم فكيف أدعو غيره دعاء جلياً أو خفياً وذلك أعظم الذنوب! وللتنفير من الشرك الخفي بالرياء وكل معصية وإن صغرت، جرد الفعل عن الافتعال لئلا يتوهم أنه لا يكون عليها إلا ما بالغت فيه، والسياق هنا واضح في أن الكسب مقيد بالذنب فإنه في دعاء غير الله وآية البقرة للإيماء إلى الذنب الذي لا يقع إلا بشهوة شديدة من النفس له لطبعها على النقائص، فهي لا تنافي هذه لأن ما كسبته من الذنوب قد علم من ثَمَّ أنه اكتساب، وأحسن من هذا أن يقال : ولما كان المعنى أني إن بغيت رباً غيره وكلني إلى ما توليته، وأنا إنسان والإنسان مطبوع على النقائص فهلكت، عبر عنه بقوله مجرداً للفعل لقصد العموم :﴿ولا تكسب كل نفس﴾ بما هي نفس ناظرة في نفاستها معرضة عن ربها موكولة إلى حولها وقوتها ﴿إلا عليها﴾ ولا يحمل عنها غيرها شيئاً من وزرها ؛ ولما كان ربما حمل أحد عن غيره شيئاً من أثقاله مساعدة له، نفى ذلك بقوله :﴿ولا تزر وازرة﴾ أي تحمل حاملة ولو كانت والداً أو ولداً ﴿وزر﴾ أي إثم ﴿أخرى﴾ ﴿وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى﴾ [ فاطر : ١٨ ] فإذا كان الأمر كذلك فلا يجعل بعاقل أن يعرض نفسه بحمل شيء من غضب هذا الملك الذي لا شريك له وإليه المرجع وإن طال المدى.