والثاني : أن بعضهم يخلف بعضاً ؛ قاله ابن قتيبة.
والثالث : أن أمة محمد خلفت سائر الأمم، ذكره الزجاج.
قوله تعالى :﴿ ورفع بعضكم فوق بعض درجات ﴾ أي : في الرزق، والعلم، والشرف، والقوة، وغير ذلك ﴿ ليبلُوَكم ﴾ أي : ليختبركم، فيظهر منكم ما يكون عليه الثواب والعقاب.
قوله تعالى :﴿ إن ربك سريع العقاب ﴾ فيه قولان.
أحدهما : أنه سماه سريعاً، لأنه آتٍ، وكل آتٍ قريبٌ.
والثاني : أنه إذا شاء العقوبة أسرع عقابه. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٢ صـ ﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الذي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأرض ﴾ "خلائف" جمع خليفة، ككرائم جمع كريمة.
وكل من جاء بعد من مضى فهو خليفة.
أي جعلكم خَلَفاً للأمم الماضية والقرون السالفة.
قال الشمّاخ :
تصيبُهُم وتخطِئني المنايا...
وأخلُف في رُبوع عن رُبوعِ
﴿ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ ﴾ في الخلق والرزق والقوّة والبَسْطة والفضل والعلم.
﴿ دَرَجَاتٍ ﴾ نصب بإسقاط الخافض، أي إلى درجات.
﴿ لِّيَبْلُوَكُمْ ﴾ نصب بلام كَيْ.
والابتلاء الاختبار ؛ أي ليظهر منكم ما يكون غايته الثواب والعقاب.
ولم يزل بعلمه غنِيًّا ؛ فابتلى الموسِر بالغنى وطلب منه الشكر، وابتلى المعسر بالفقر وطلب منه الصبر.
ويقال :"ليبلوكم" أي بعضكم ببعض.
كما قال :﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾ [ الفرقان : ٢٠ ] على ما يأتي بيانه.
ثم خوّفهم فقال :﴿ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ العقاب ﴾ لمن عصاه.
﴿ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ لمن أطاعه.
وقال :"سَرِيعُ الْعِقَابِ" مع وصفه سبحانه بالإمهال، ومع أنّ عقاب النار في الآخرة ؛ لأن كل آت قريب ؛ فهو سريع على هذا.
كما قال تعالى :﴿ وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ﴾ [ النحل : ٧٧ ].
وقال :﴿ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾ [ المعارج : ٦ و٧ ].


الصفحة التالية
Icon