وقال الآلوسى :
﴿ مَن جَاء بالحسنة ﴾
استئناف مبين لمقادير أجزية العاملين وقد صدر ببيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم أي من جاء من المؤمنين بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة أي خصلة كانت، وقيل : التوحيد ونسب إلى الحسن وليس بالحسن ﴿ فَلَهُ عَشْرُ ﴾ حسنات ﴿ أمثالها ﴾ فضلاً من الله تعالى.
وقرأ يعقوب ﴿ عَشَرَ ﴾ بالتنوين ﴿ أمثالها ﴾ بالرفع على الوصف، وهذا أقل ما وعد من الأضعاف، وقد جاء الوعد بسبعين وسبعمائة وبغير حساب، ولذلك قيل : المراد بالعشر الكثرة لا الحصر في العدد الخاص.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة وأبو الشيخ عن ابن عباس وعبد بن حميد وغيره عن ابن عمر أن الآية نزلت في الأعراب خاصة، وأما المهاجرون فالحسنة مضاعفة لهم بسبعمائة ضعف، والظاهر العموم.
وتجريد ﴿ عَشَرَ ﴾ من التاء لكون المعدود مؤنثاً كما أشرنا إليه لكنه حذف وأقيمت صفته مقامه، وقيل : إنه المذكور إلا أنه اكتسب التأنيث من المضاف إليه.
﴿ وَمَن جَاء بالسيئة ﴾ كائناً من كان من العالمين ﴿ فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا ﴾ بحكم الوعد واحدة بواحدة، وإيجاب كفر ساعة عقاب الأبد لأن الكافر على عزم أنه لو عاش أبداً لبقي على ذلك الاعتقاد أبداً ﴿ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ بنقص الثواب وزيادة العقاب.
فإن ذلك منه تعالى لا يعد ظلماً إذ له سبحانه أن يعذب المطيع ويثيب العاصي، وقيل : المعنى لا ينقصون في الحسنات من عشر أمثالها وفي السيئة من مثلها في مقام الجزاء.
ومن المعتزلة من استدل بهذه الآية على إثبات الحسن والقبح العقليين، واختلف في تقريره فقيل : إنهم لما رأوا أن أحد أدلة الأشاعرة على النفي أن العبد غير مستبد في إيجاد فعله كما بين في محله فلا يحكم العقل بالاستقلال على ترتب الثواب والعقاب عليه قالوا : إن قوله سبحانه :﴿ مَن جَاء بالحسنة ﴾ الخ صريح في أن العبد مستبد مختار في فعله الحسن والقبيح، وإذا ثبت ذلك يثبت الحسن والقبح العقليان.


الصفحة التالية
Icon