ويجوز أن يكون المراد من الممات ما يحصل للرسول عليه الصّلاة والسّلام بعد وفاته من توجهاته الرّوحيّة نحو أمّته بالدّعاء لهم والتّسليم على من سلّم عليه منهم والظّهور لخاصّة أمَّته في المنام فإنّ للرّسول بعد مماته أحكام الحياة الرّوحيّة الكاملة كما ورد في الحديث :" إذا سلّم عليّ أحد من أمَّتي رَدّ الله عليّ روحِي فرددتُ عليه السّلام " وكذلك أعماله في الحشر من الشّفاعة العامّة والسّجود لله في عرصات القيامة فتلك أعمال خاصة به ﷺ وهي كلّها لله تعالى لأنَّها لنفع عبيده أو لنفع أتباع دينه الذي ارتضاه لهم، فيكون قوله :﴿ ومماتي ﴾ هنا ناظراً إلى قوله في الحديث :" حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ".
ويجوز أن يكون معنى مماته لله الشهادة في سبيل الله فإن رسول الله ﷺ سمّته اليهودية بخيبر في لحم شاة أطعموه إياه حصل بعض منه في إمعائه.
ففي الحديث " ما زالت أكلة خيبر تعتادني كل عام حتى كان هذا أوان قطع أبْهَري ".
وبقوله :﴿ ومحياي ومماتي لله رب العالمين ﴾ تحقّق معنى الإسلام الذي أصله الإلقاء بالنّفس إلى المُسْلَم له، وهو المعنى الذي اقتضاه قوله :﴿ فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن ﴾ كما تقدّم في سورة آل عمران ( ٢٠ )، وهو معنى الحنيفية الذي حكاه الله تعالى عن إبراهيم عليه السّلام في قوله :﴿ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ﴾ كما في سورة البقرة ( ١٣١ ).
وقوله : رب العالمين } صفة تشير إلى سبب استحقاقه أن يكون عمل مخلوقاته له لا لغيره، لأنّ غيره ليس له عليهم نعمة الإيجاد، كما أشار إليه قوله في أوّل السورة ( ١ ) :﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ﴾. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٧ صـ ﴾