بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا " إِلَخْ. وَالَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهَا فِي الْفَرِيقَيْنِ، فَإِنَّ مَعْنَى الظُّلْمِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ النَّقْصُ مِنَ الشَّيْءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :(كِلْتَا
الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) (١٨ : ٣٣) ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ تَعَدٍّ وَإِيذَاءٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَا يُظْلَمُونَ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ لَا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا ذُكِرَ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ إِذْ لَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا كَسْبَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يُمَكِّنُهُ مِنَ الظُّلْمِ كَمَا يَفْعَلُ الْأَقْوِيَاءُ الْأَشْرَارُ فِي الدُّنْيَا بِالضُّعَفَاءِ. وَفِي جَوَازِ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِالظُّلْمِ وَعَدَمِهِ جِدَالٌ بَيْنَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، يَتَأَوَّلُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآيَاتِ لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ فِيهِ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْحَقِّ فِيهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَيُرَاجَعُ فِيهِ وَفِي مَعْنَى مُضَاعَفَةِ الْأَعْمَالِ الْحَسَنَةِ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى :(إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) (٤ : ٤٠) فَإِنَّهُ يُجَلِّي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا فِي خِلَافِ الْأَشْعَرِيَّةِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ مِنَ الضَّعْفِ فِي مَسْأَلَةِ جَوَازِ الظُّلْمِ عَلَى الْبَارِي تَعَالَى عَقْلًا وَاسْتِحَالَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُقَالُ إِنَّ الْبَارِيَ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ.


الصفحة التالية
Icon