إن موضوع سورة الأنعام هو العقيدة. وموضوع سورة الأعراف هو العقيدة.. ولكن بينما سورة الأنعام تعالج العقيدة في ذاتها ; وتعرض موضوع العقيدة وحقيقتها ; وتواجه الجاهلية العربية في حينها - وكل جاهلية أخرى كذلك - مواجهة صاحب الحق الذي يصدع بالحق ; وتستصحب معها في هذه المواجهة تلك المؤثرات العميقة العنيفة الكثيرة الموفورة التي تحدثنا عنها إجمالاً وتفصيلاً ونحن نقدم السورة ونستعرضها - في الجزء السابع وفي هذا الجزء أيضاً - ووقفنا أمامها ما شاء الله أن نقف.. بينما سورة الأنعام تتخذ هذا المنهج، وتسلك ذلك الطريق.. نجد سورة الأعراف - وهي تعالج موضوع العقيدة كذلك - تأخذ طريقاً آخر، وتعرض موضوعها في مجال آخر.. إنها تعرضه في مجال التاريخ البشري.. في مجال رحلة البشرية كلها مبتدئة بالجنة والملأ الأعلى، وعائدة إلى النقطة التي انطلقت منها.. وفي هذا المدى المتطاول تعرض "موكب الإيمان" من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - ( ﷺ ) - تعرض هذا الموكب الكريم يحمل هذه العقيدة ويمضي بها على مدار التاريخ. يواجه بها البشرية جيلاً بعد جيل، وقبيلاً بعد قبيل.. ويرسم سياق السورة في تتابعه: كيف استقبلت البشرية هذا الموكب وما معه من الهدى ؟ كيف خاطبها هذا الموكب وكيف جاوبته ؟ كيف وقف الملأ منها لهذا الموكب بالمرصاد وكيف تخطى هذا الموكب أرصادها ومضى في طريقه إلى الله ؟ وكيف كانت عاقبة المكذبين وعاقبة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة..
إنها رحلة طويلة طويلة.. ولكن السورة تقطعها مرحلة مرحلة، وتقف منها عند معظم المعالم البارزة، في الطريق المرسوم. ملامحه واضحة، ومعالمه قائمة، ومبدؤه معلوم، ونهايته مرسومة.. والبشرية تخطو فيه بجموعها الحاشدة. ثم تقطعه راجعة.. إلى حيث بدأت رحلتها في الملأ الأعلى..