إن السورة لا تعرض قصة هذه العقيدة في التاريخ البشري، ولا تعرض رحلة البشرية منذ نشأتها الأولى إلى عودتها الأخيرة.. مجرد عرض في أسلوب قصصي.. إنما هي تعرضها في صورة معركة مع الجاهلية.. ومن ثم فإنها تعرضها في مشاهد ومواقف ; وتواجه بهذه المشاهد والمواقف ناساً أحياء كانوا يواجهون هذا القرآن ; فيواجههم هذا القرآن بتلك القصة الطويلة ; ويخاطبهم بما فيها من عبر ; مذكرا ومنذرا ; ويخوض معهم معركة حقيقية حية.. ومن ثم تجيء التعقيبات في السياق عقب كل مرحلة أساسية ; موجهة لأولئك الأحياء الذين كان القرآن يخوض معهم المعركة ; وموجهة كذلك إلى أمثالهم ممن يتخذون موقفهم على مدار التاريخ.
إن القرآن لا يقص قصة إلا ليواجه بها حالة. ولا يقرر حقيقة إلا ليغير بها باطلا.. إنه يتحرك حركة واقعية حية في وسط واقعي حي. إنه لا يقرر حقائقه للنظر المجرد، ولا يقص قصصه لمجرد المتاع الفني !
ويركز السياق على التذكير والإنذار في وقفاته للتعقيب. كما يركز على نقطة الانطلاق، وعلى نقطة المآب. وبينهما يمر بقصص قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب. ثم يركز تركيزاً شديداً على قصة قوم موسى.
وفي هذه التقدمة للسورة لا نملك إلا أن نعرض نماذج مجملة لمواضع التركيز في السورة:
تبدأ السورة على هذا النحو:
آلمص. كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، لتنذر به، وذكرى للمؤمنين. اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء. قليلا ما تذكرون..


الصفحة التالية
Icon