اعلم أولاً : أن السؤال المنفي في الآيات المذكورة. أخص من السؤال المثبت فيها. لأن السؤال المنفي فيها مقيد بكونه سؤالاً عن ذنوب خاصة. فإنه قال :﴿ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ المجرمون ﴾ [ القصص : ٧٨ ] فخصه بكونه عن الذنوب، وقال :﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ ﴾ [ الرحمن : ٣٩ ] فخصه بذلك أيضاً. فيتضح من ذلك أن سؤال الرسل والموؤودة مثلاً ليس عن ذنب فعلوه فلا مانع من وقوعه. لأن المنفي خصوص السؤال عن ذنب، ويزيد ذلك إيضاحاً قوله تعالى :﴿ لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ ﴾ [ الأحزاب : ٨ ] الآية، وقوله بعد سؤاله لعيسى المذكور في قوله :﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] الآية. ﴿ قَالَ الله هذا يَوْمُ يَنفَعُ الصادقين صِدْقُهُمْ ﴾ [ المائدة : ١١٩ ] الآية، والسؤال عن الذنوب المنفي في الآيات : المراد به سؤال الاستخبار والاستعلام. لأنه جل وعلا محيط علمه بكل شيء، ولا ينافي نفي هذا النوع من السؤال ثبوت نوع آخر منه هو سؤال التوبيخ والتقريع. لأنه نوع من أنواع العذاب، ويدل لهذا أن سؤال الله للكفار في القرآن كله توبيخ وتقريع كقوله :﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ﴾ [ الصافات : ٢٤-٢٥ ]. وقوله :﴿ أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [ الطور : ١٥ ]. إلى غير ذلك من الآيات وباقي أوجه الجمع مبين في كتابنا المذكور - والعلم عند الله تعالى-. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ١ صـ ﴾