وقيل : هو أمر للأمة بعد أمره ﷺ بالتبليغ، وهو منزل إليهم بواسطة إنزاله إلى النبي ﷺ ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء ﴾ نهي للأمة عن أن يتبعوا أولياء من دون الله يعبدونهم ويجعلونهم شركاء لله، فالضمير على هذا في ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ يرجع إلى ربّ، ويجوز أن يرجع إلى "ما" في ﴿ ما أنزل إليكم ﴾ أي لا تتبعوا من دون كتاب الله أولياء تقلدونهم في دينكم، كما كان يفعله أهل الجاهلية من طاعة الرؤساء فيما يحللونه لهم ويحرمونه عليهم.
قوله :﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ انتصاب ﴿ قليلاً ﴾ على أنه صفة لمصدر محذوف للفعل المتأخر، أي تذكراً قليلاً، و" ما " مزيدة للتوكيد أو هو منتصب على الحال من فاعل ﴿ لا تتبعوا ﴾، و" ما " مصدرية، أي لا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً تذكرهم، قرىء " تَذَكرُونَ " بالتخفيف بحذف إحدى التاءين، وقرىء بالتشديد على الإدغام.
قوله :﴿ وَكَم مّن قَرْيَةٍ أهلكناها ﴾ " كم " هي الخبرية المفيدة للتكثير، وهي في موضع رفع على الابتداء و﴿ أهلكناها ﴾ الخبر، ﴿ من ﴾ قرية تمييز، ويجوز أن تكون في محل نصب بإضمار فعل بعدها لا قبلها، لأن لها صدر الكلام، ولولا اشتغال ﴿ أهلكناها ﴾ بالضمير لجاز انتصاب " كم " به، والقرية موضع اجتماع الناس، أي كم من قرية من القرى الكبيرة أهلكناها نفسها بإهلاك أهلها، أو أهلكنا أهلها، والمراد أردنا إهلاكها.
قوله :﴿ فَجَاءهَا بَأْسُنَا ﴾ معطوف على أهلكنا بتقدير الإرادة كما مرّ ؛ لأن ترتيب مجيء البأس على الإهلاك لا يصح إلا بهذا التقدير، إذ الإهلاك هو نفس مجيء البأس.
وقال الفراء : إن الفاء بمعنى الواو فلا يلزم التقدير، والمعنى : أهلكناها وجاءها بأسنا، والواو لمطلق الجمع لا ترتيب فيها.
وقيل : إن الإهلاك واقع لبعض أهل القرية ؛ فيكون المعنى : وكم من قرية أهلكنا بعض أهلها فجاءها بأسنا فأهلكنا الجميع.