والباء في قوله : بما كانوا } باء السّببيّة، وما مصدرية أي بكونهم ظلموا بآياتنا في الدّنيا، فصيغة المضارع في قوله :﴿ يظلمون ﴾ لحكاية حالهم في تجدّد الظلم فيما مضى كقوله تعالى :﴿ والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه ﴾ [ فاطر : ٩ ].
والظلم هنا ضدّ العدل : أي يظلمون الآيات فلا ينصفونها حقّها من الصدق.
وضمن ﴿ يظلمون ﴾ معنى يُكَذّبون، فلذلك عُدّي بالباء، فكأنّه قيل : بما كانوا يظلمون فيكذبون بآياتنا على حد قوله تعالى :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظُلماً وعلواً ﴾ [ النمل : ١٤ ].
وإنّما جعل تكذيبهم ظلما لأنّه تكذيب ما قامت الأدلّة على صدقه فتكذيبه ظلم للأدلّة بدحضها وعدم إعمالها.
وتقديم المجرور في قوله :﴿ بآياتنا ﴾ على عامله، وهو ﴿ يظلمون ﴾، للاهتمام بالآيات.
وقد ذكرت الآية حال المؤمنين الصّالحين وحال المكذّبين المشركين إذ كان النّاس يوم نزول الآية فريقين : فريق المؤمنين، وهم كلّهم عاملون بالصّالحات، مستكثرون منها، وفريق المشركين وهم أخلياء من الصّالحات، وبقي بين ذلك فريق من المؤمنين الذين يخلطون عملاً صالحاً وآخر سيّئاً وذلك لم تتعرّض له هذه الآية، إذ ليس من غرض المقام، وتعرّضت له آيات آخرى. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon