إن الجاهلية حالة ووضع ؛ وليست فترة تاريخية زمنية.. والجاهلية اليوم ضاربة أطنابها في كل أرجاء الأرض، وفي كل شيع المعتقدات والمذاهب والأنظمة والأوضاع.. إنها تقوم ابتداء على قاعدة :" حاكمية العباد للعباد "، ورفض حاكمية الله المطلقة للعباد. تقوم على أساس أن يكون " هوى الإنسان " في أية صورة من صوره هو الإله المتحكم، ورفض أن تكون " شريعة الله " هي القانون المحكم.
. ثم تختلف أشكالها ومظاهرها، وراياتها وشاراتها، وأسماؤها وأوصافها، وشيعها ومذاهبها.. غير أنها كلها تعود إلى هذه القاعدة المميزة المحددة لطبيعتها وحقيقتها..
وبهذا المقياس الأساسي يتضح أن وجه الأرض اليوم تغمره الجاهلية. وأن حياة البشرية اليوم تحكمها الجاهلية. وأن الإسلام اليوم متوقف عن " الوجود " مجرد الوجود! وأن الدعاة إليه اليوم يستهدفون ما كان يستهدفه محمد رسول الله - ﷺ - تماماً ؛ ويواجهون ما كان يواجهه - ﷺ - تماماً، وأنهم مدعوون إلى التأسي به في قول الله - سبحانه - له :
﴿ كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه، لتنذر به وذكرى للمؤمنين ﴾..
ولتوكيد هذه الحقيقة وجلائها نستطرد إلى شيء قليل من التفصيل :
إن المجتمعات البشرية اليوم - بجملتها - مجتمعات جاهلية. وهي من ثم مجتمعات " متخلفة " أو " رجعية "! بمعنى أنها " رجعت " إلى الجاهلية، بعد أَن أخذ الإسلام بيدها فاستنقذها منها. والإسلام اليوم مدعو لاستنقاذها من التخلف والرجعية الجاهلية، وقيادتها في طريق التقدم و" الحضارة " بقيمها وموازينها الربانية.


الصفحة التالية
Icon