فهو السؤال الدقيق الوافي، يشمل المرسل إليهم ويشمل المرسلين.. وتعرض فيه القصة كلها على الملأ الحاشد ؛ وتفصل فيه الخفايا والدقائق!.. يسأل الذين جاءهم الرسل فيعترفون. ويسأل الرسل فيجيبون. ثم يقص عليهم العليم الخبير كل شيء أحصاه الله ونسوه! يقصه عليهم - سبحانه - بعلم فقد كان حاضراً كل شيء. وما كان - سبحانه - غائباً عن شيء.. وهي لمسة عميقة التأثير والتذكير والتحذير!
﴿ والوزن يومئذ الحق ﴾..
إنه لا مجال هنا للمغالطة في الوزن ؛ ولا التلبيس في الحكم ؛ ولا الجدل الذي يذهب بصحة الأحكام والموازين.
﴿ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ﴾..
فقد ثقلت في ميزان الله الذي يزن بالحق. وجزاؤها إذن هو الفلاح.. وأي فلاح بعد النجاة من النار، والعودة إلى الجنة، في نهاية الرحلة المديدة، وفي ختام المطاف الطويل؟
﴿ ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون ﴾..
فقد خفت في ميزان الله الذي لا يظلم ولا يخطئ. وقد خسروا أنفسهم. فماذا يكسبون بعد؟ إن المرء ليحاول أن يجمع لنفسه. فإذا خسر ذات نفسه فما الذي يبقى له؟
لقد خسروا أنفسهم بكفرهم بآيات الله :﴿ بما كانوا بآياتنا يظلمون ﴾ والظلم - كما أسلفنا - يطلق في التعبير القرآني ويراد به الشرك أو الكفر :﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾ ولا ندخل هنا في طبيعة الوزن وحقيقة الميزان - كما دخل فيه المتجادلون بعقلية غير إسلامية في تاريخ الفكر " الإسلامي "!.. فكيفيات أفعال الله كلها خارجة عن الشبيه والمثيل. مذ كان الله سبحانه ليس كمثله شيء.. وحسبنا تقرير الحقيقة التي يقصد إليها السياق.. من أن الحساب يومئذ بالحق، وأنه لا يظلم أحد مثقال ذرة، وأن عملاً لا يبخس ولا يغفل ولا يضيع. أ هـ ﴿الظلال حـ ٣ صـ ١٢٥٤ ـ ١٢٦١﴾


الصفحة التالية
Icon