ثم أتبع ذلك بقصة آدم عليه السلام ليبين لعباده ما جرت سنته فيهم من تسلط الشياطين وكيده وأنه عدو لهم ﴿يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة﴾ [ الأعراف : ٢٧ ] ووقع في قصة آدم هنا ما لم يقع في قصة البقرة من بسط ما أجمل هناك كتصريح اللعين بالحسد وتصور خيريته بخلقه من النار وطلبة الإنظار والتسلط على ذرية آدم والإذن له في ذلك ووعيده ووعيد متبعيه ثم أخذ في الوسوسة إلى آدم عليه السلام وحلفه له ﴿وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين﴾ [ الأعراف : ٢١ ] وكل هذا مما أجمل في سورة البقرة ولم تتكرر قصة إلا وهذا شأنها، أعني أنها تفيد مهما تكررت ما لم يكن حصل منها أولاً ؛ ثم انجزت الآي إلى ابتداء قصة نوح عليه السلام واستمرت القصص إلى قصص بني إسرائيل، فبسط هنا من حالهم وأخبارهم شبيه ما بسط في قصة آدم وما جرى من محنة إبليس، وفصل هنا الكثير وذكر ما لم يذكر في البقرة حتى لم يتكرر بالحقيقة ولا التعرض لقصص طائفة معينة فقط، ومن عجيب الحكمة أن الواقع في السورتين من كلتا القصتين مستقل شاف، وإذا ضم بعض ذلك إلى بعض ارتفع إجماله ووضح كماله، فتبارك من هذا كلامه ومن جعله حجة قاطعة وآية باهرة.
ولما أعقب تعالى قصصهم في البقرة بأمره نبيه والمؤمنين بالعفو والصفح فقال تعالى ﴿فاعفوا واصفحوا﴾ [ البقرة : ١٠٩ ] أعقب تعالى أيضاً هنا بقوله لنبيه عليه الصلاة والسلام ﴿خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾ [ الأعراف : ١٩٩ ] وقد خرجنا عن المقصود فلنخرج إليه - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣ ـ ٦﴾
فصل
قال الفخر :
احتج القائلون بخلق القرآن بقوله :﴿كتاب أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ قالوا إنه تعالى وصفه بكونه منزلاً، والإنزال يقتضي الانتقال من حال إلى حال، وذلك لا يليق بالقديم، فدل على أنه مُحْدَث.