وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْآيَةِ مَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ، إِذْ ظَنُّوا أَنَّ عَطْفَ " جَاءَهَا " عَلَى " أَهْلَكْنَا " بِالْفَاءِ يُفِيدُ أَنَّ مَجِيءَ الْبَأْسِ وَقَعَ عَقِبَ الْإِهْلَاكِ وَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، غَافِلِينَ عَنْ كَوْنِهِ بَيَانًا تَفْصِيلِيًّا لِنَوْعَيْنِ مِنْهُ، أَحَدُهُمَا لَيْلِيُّ وَالْآخَرُ نَهَارِيٌّ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا، وَتَفَصَّى بَعْضُهُمْ كَالزَّمَخْشَرِيِّ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِهْلَاكِ إِرَادَتُهُ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ :(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) (٥ : ٦) إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَيْهَا.
وَفِي الْآيَةِ مِنْ مَبَاحِثِ اللُّغَةِ وَالْبَلَاغَةِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :(أَوْ هُمْ قَائِلُونَ) جُمْلَةٌ
حَالِيَّةٌ حُذِفَ مِنْهَا وَاوُ الْحَالِ لِاسْتِثْقَالِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَاوِ الْعَطْفِ وَالْأَصْلُ : أَوْ هُمْ قَائِلُونَ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَرَّضَ لِنُكْتَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَالِ الْمُفْرَدَةِ وَجُمْلَةِ الْحَالِ هُنَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الْإِفْرَادِ، لَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :(لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا) (٤ : ٤٣) حَيْثُ انْفَرَدْنَا بِبَيَانِ فَرْقٍ وَجِيهٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ هُنَالِكَ يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى وَيَنْطَبِقُ عَلَى مَا حَقَّقَهُ


الصفحة التالية
Icon