ثم قال تعالى :﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾ هذه "اللام" بماذا تتعلق ؟ فيه أقوال : الأول : قال الفراء : إنه متعلق بقوله :﴿أَنزِلَ إِلَيْكَ﴾ على التقديم والتأخير، والتقدير : كتاب أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.
فإن قيل : فما فائدة هذا التقديم والتأخير ؟
قلنا : لأن الإقدام على الإنذار والتبليغ لا يتم ولا يكمل إلا عند زوال الحرج عن الصدر، فلهذا السبب أمره الله تعالى بإزالة الحرج عن الصدر، ثم أمره بعد ذلك بالإنذار والتبليغ.
الثاني : قال ابن الأنباري : اللام ههنا بمعنى : كي.
والتقدير : فلا يكن في صدرك شك كي تنذر غيرك.
الثالث : قال صاحب "النظم" : اللام ههنا : بمعنى : أن.
والتقدير : لا يضق صدرك ولا يضعف عن أن تنذر به، والعرب تضع هذه اللام في موضع "أن" قال تعالى :﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله بأفواههم﴾ [ التوبة : ٣٢ ] وفي موضع أخر ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ﴾ [ الصف : ٨ ] وهما بمعنى واحد.
والرابع : تقدير الكلام : أن هذا الكتاب أنزله الله عليك، وإذا علمت أنه تنزيل الله تعالى، فاعلم أن عناية الله معك، وإذا علمت هذا فلا يكن في صدرك حرج، لأن من كان الله حافظاً له وناصراً، لم يخف أحداً، وإذا زال الخوف والضيق عن القلب، فاشتغل بالإنذار والتبليغ والتذكير اشتغال الرجال الأبطال، ولا تبال بأحد من أهل الزيغ والضلال والإبطال.
ثم قال :﴿وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ابن عباس : يريد مواعظ للمصدقين.
قال الزجاج : وهو اسم في موضع المصدر.
قال الليث : الذكرى اسم للتذكرة، وفي محل ذكرى من الإعراب وجوه قال الفراء : يجوز أن يكون في موضع نصب على معنى : لتنذر به ولتذكر، ويجوز أن يكون رفعاً بالرد على قوله :﴿كِتَابٌ﴾ والتقدير : كتاب حق وذكرى، ويجوز أيضاً أن يكون التقدير، وهو ذكرى، ويجوز أن يكون خفضاً، لأن معنى لتنذر به، لأن تنذر به فهو في موضع خفض، لأن المعنى للإنذار والذكرى.


الصفحة التالية
Icon